سُئل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز خلال المقابلة التلفزيونية الشهيرة التي أجراها مع سموه الزميل الإعلامي عبدالله المديفر بمناسبة مرور خمس سنوات على انطلاقة رؤية المملكة 2030، عن الأسباب التي دَعت بالحكومة السعودية إلى رفع قيمة الضريبة المضافة من 5% ثم إلى 10% لتستقر حالياً عند مستوى 15%.
كان رد سموه كعادته واضحاً وصريحاً عن دواعي رفع نسبة الضريبة مُعزياً ذلك للظروف الصعبة التي خيمت على أسواق النفط العالمية خلال العام الماضي، حيث قد وصلت أسعار النفط إلى ما دون الصفر بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد، مما أضطر الدولة إلى إعادة النظر في نسبة الضريبة لتعويض جزء من الانخفاض الحاد في الإيرادات النفطية.
بكل تأكيد وكما أوضح سموه في المقابلة أنه شخصياً يهمه رفاه المواطن وراحته وسعادته، ولكن ببعض الأحيان قد تضطر الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها الدولة، إلى اتخاذ قرارات اقتصادية ومالية قد تكون قاسية ومؤلمة بعض الشيء للمواطن، مثل قرار رفع نسبة قيمة الضريبة المضافة إلى 15% تفادياً لحدوث ما قد يكون الأسوأ في المستقبل لو تركت الأمور دون علاج، والذي بدوره قد ينعكس بعواقب وخيمة وأكثر قساوة وضراوة، مثل تخفيض الرواتب وإلغاء البدلات وإلى غير ذلك من الإجراءات التقشفية الصعبة.
برنامج الاستدامة المالية، الذي أُطلق سابقاً بنهاية العام 2016 باسم برنامج تحقيق التوازن المالي ضمن برامج رؤية المملكة 2030، كشف للحكومة مع بداية انطلاقته عن واقع حال مالي مرير متوقع للدولة وخطير في نفس الوقت إن هي استمرت في سلوكها الإنفاقي التوسعي غير المنضبط دونما أن يكون هناك أي نوع من أنواع الضبط والترشيد المالي في الإنفاق، حيث على سبيل المثال، في ظل التنامي المستمر للمتطلبات التنموية للمملكة خلال العقود الماضية، شهدت المصروفات الحكومية بشقيها الرأسمالي والتشغيلي تسارعاً غير مسبوق، حيث سجلت هذه المصروفات نمواً سنوياً بلغت نسبته في المتوسط 18% منذ عام 1970، بينما سجلت قفزة استثنائية خلال العقدين الماضيين بلغت حوالي 462% في حين سجلت في العقد الماضي وحده نمواً بلغت نسبته حوالي 182%. وبين عامي 2014 و 2016 انخفضت أسعار النفط بشكلٍ كبير جداً، مما تسبب في إعلان الحكومة عن أعلى عجز مالي في حينه في ميزانيتها في عام 2015 بنحو 366 مليار ريال تحولاً من فائض بلغ 180 مليار خلال العامين السابقين. هذا السيناريو المالي المؤلم أجبر الدولة على اتخاذ مجموعة من الإصلاحات المالية، منها خَفض الإنفاق العام بنسبة 26%.
وفي عام 2016 تدهورت أسعار النفط بشكل إضافي مما أضطر الدولة إلى اتخاذ عدداً من الإصلاحات المالية لخفض العجز المالي، من بينها رفع كفاءة الإنفاق التشغيلي والرأسمالي معاً. ولكن رغم ذلك استمر الدين العام في رحلة الصعود ليرتفع من 44 مليار ريال إلى 142 مليار ريال وانخفضت أرصدة الحسابات الحكومية في البنك المركزي السعودي (ساما) من 1413 مليار ريال إلى حوالي 577 مليار ريال بنهاية عام 2016.
وفي ظل هذه التحديات المالية الصعبة وارتهان ميزانية الدولة للإيرادات النفطية، اضطرت الدولة إلى تعزيز استدامة الإيرادات الحكومية من خلال تنمية الإيرادات غير النفطية، بما في ذلك تحسين وترشيد الإنفاق العام، وإلغاء الإعانات الحكومية غير الموجهة، بالإضافة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الأخرى الكفيلة بتحقيق الاستدامة المالية للمملكة.
وكجزء من حزمة الإصلاحات المالية الهيكلية في المملكة، وَقعت السعودية مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي على الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة في شهر يونيو من عام 2016، وبدأت دول المجلس في تطبيقها وفق جدول زمني متفاوت وبنسبة موحدة بواقع 5%، والتي تُعد الأقل على مستوى العالم، حيث على سبيل المثال، تصل في دولة النرويج إلى 25% وفي دول الصين إلى 17%، هذا بالإضافة إلى فرض تلك الدول لضرائب أخرى، مثل ضريبة الدخل على الأفراد، بواقع 47.2% بالنرويج و 45% بالصين.
سمو ولي العهد أكد في المقابلة المذكورة، أن رفع نسبة قيمة الضريبة المضافة إلى 15% سيتم إعادة النظر فيه وتقيمه وفق المعطيات لتعود النسبة إلى ما كانت عليه لربما في خلال عام أو خمسة أعوام بحدٍ أقصى.
ويُعول بإذن الله على برنامج الاستدامة المالية، تحقيق الاستدامة للوضع المالي للمملكة، وبالذات وأنه قد ساعد في السيطرة على نسب العجز من الناتج المحلي الإجمالي من 15.8% في عام 2015 الى 4.5% في 2019 وأدى كذلك إلي تقوية الموقف المالي للمملكة، وتعزيز مركزها المالي للتعامل مع الصدمات الخارجية.
ويتوقع للبرنامج أن يساعد الدولة على تخفيض قيمة الضريبة المضافة في أقرب وقت ممكن، وبالذات في ظل النمو المتسارع للإيرادات غير النفطية والحراك غير المسبوق الحاصل في عدة أنشطة وقطاعات اقتصادية، منها نشاط الترفيه وقطاع السياحة، على جانب نمو استثمارات صندوق الاستثمارات العامة وعوائده والتي يُعول عليها أن تكون رافد مهماً لميزانية الدولة ولاقتصاد المملكة.
كما أن التوقع بتحقيق الميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي 2022، لفائض مالي بحدود 90 مليار ريال، سيعزز من إيرادات الدولة ويكون مُمكن لها لاتخاذ القرار المناسب لتخفيض قيمة الضريبة المضافة، لينعم المواطن برغد العيش وكريم الحياة التي ينشداها لهما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز يحفظهما الله.
مواقع النشر (المفضلة)