بلغ عدد أصحاب الثروات المرتفعة (HNWI) أي من يملكون أكثر من مليون دولار، أكثر من 20 مليون شخص حول العالم، وتتصدر المملكة العربية السعودية منطقة الشرق الأوسط بعدد يصل إلى 274.4 ألف شخص وفقاً لتقديرات شركة الاستشارات البريطانية "نايت فرانك" في تقريرها السنوي لعام 2020، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 279.3 ألف شخص بحلول 2024. ولكن، هل ستستطيع الأجيال القادمة حماية الثروات التي بنتها عائلاتها؟

يواجه أصحاب الملاءة المالية تحدياً من نوع مختلف حيث يركز البعض على الحفاظ على ثرواتهم الحالية وحمايتها من التآكل بينما ينشغل الآخرون بآليات بناء الثروة. تآكل الثروة هو التهديد الأخطر حيث فشل كثير من الأثرياء في الحفاظ على ثرواتهم أو أضاعوا جزءً كبيراً منها خاصةً مع مرور الأجيال.
حقيقة ثابتة في عالم الاستثمار هي أن الثروة تتغير دائماً، فإما تزداد أو تتراجع. حتى النقد والرصيد البنكي يخضعان لهذا المبدأ، فقيمتهما تنخفض باستمرار وفقاً للتضخم.
تبدّد الثروة من جيلٍ إلى جيل

يقول المثل الصيني: الجيل الأول يبني الثروة، والجيل الثاني يعيش كالسادة، والجيل الثالث يبدأ من الصفر.

وهو قريب جداً من المثل المكسيكي: الأب تاجر والابن مليونير والحفيد متسوّل. ويعبر كلا المثلين عن مصير كثير من الثروات العائلية التي تتبدد عند انتقالها من جيل لآخر، وهي حقيقة لاحظها ابن خلدون منذ قرون أن الدول تشرف على نهاية عمرها بعد الجيل الثاني. فالجيل الأول يتسم بالإقدام والبسالة، والجيل الثاني يعتاد الترف ويميل للكسل مقارنة بالذي سبقه مع أنهم شهدوا رفعة آبائهم وشاركوهم بعض الشيء، أما الجيل الثالث فيبلغ بهم الترف غايته وينسون كيف وصلوا إليه، فتذهب الدولة بما حملت.

تنطبق هذه العملية على العوائل الثرية أيضاً حيث تشير أحدث الدراسات أن عمر الثروة نادراً ما يزيد في العائلة الواحدة عن ثلاثة أجيال.
تفقد 70% من العائلات الثرية ثرواتها التي بناها الجيل الأول على أيدي الجيل الثاني، وبقدوم الجيل الثالث أو جيل الأحفاد ترتفع نسبة العائلات التي تخسر ثرواتها إلى 90%. ويعود السبب في هذه الظاهرة إلى أخطاء في إدارة الثروة وغيرها من قرارات استثمارية وتجارية وعادات إنفاق غير مدروسة. ومن إحدى الأسباب أيضاً ضعف الإحساس بقيمة المال الموروث الذي لم يحصل عليه صاحبه بجهده الشخصي.

كيف تفادت العشر بالمائة من العائلات الثرية التي حافظت على ثرواتها عبر الأجيال مصير العائلات الأخرى؟
أجرى مستشار إدارة الثروات العائلية "دينيس جافي" في كتابه "ثروتك المستعارة من أحفادك" (Borrowed from Your Grandchildren) بحثاً موسعاً لبعض الأسئلة: ما الذي يميز العائلات التي تحتفظ بثرواتها لأكثر من 100 عام عن غيرها؟ كيف تتجنب بعض العوائل لعنة الأجيال الثلاثة وتحسّن من فرص استمرارها؟
أجرى "جافي" مقابلات مع أكثر من 100 عائلة حول العالم، وخلص إلى أن هذه العائلات تستعين بمجموعة من أفضل المستشارين الماليين ليرشدوهم لأفضل الفرص والأساليب الاستثمارية ويبقونهم دائماً على المسار الصحيح.
إدارة الثروات باحترافية
يوضح الكتاب أن إدارة الأثرياء لثرواتهم بأنفسهم وبشكل ارتجالي ليست أنسب وسيلة للحفاظ على الثروة وتنميتها، خصوصاً في أسواق اليوم الأكثر عرضة للتقلبات بسبب ازدياد عدم اليقين في ظل تأثر السوق بمتغيرات كثيرة، إضافة إلى التغيرات الجذرية في كثير من الصناعات والقطاعات الاقتصادية التي كانت تعد خيارات شبه آمنة في الماضي. وهذا ينطبق مثلاً على صناعة التجزئة التقليدية التي أصبحت مهددة من قبل التجارة الإلكترونية، وينطبق كذلك على القطاع المصرفي الذي أصبح يخضع لمنافسة كبيرة من قِبل شركات التكنولوجيا المالية التي تركز على خطوط أعماله الرئيسية كالتمويل والمدفوعات.
يمكن للكثير بناء الثروة، ولكن من النادر أن يتمتع هؤلاء بالمعرفة والخبرة اللازمة لتنميتها والحفاظ عليها على المدى الطويل. هنا يأتي دور إدارة الثروات وهو مجال تعمل به عدد من الشركات حول العالم تدير أكثر من 103 تريليون دولار.

قد تعتقد للوهلة الأولى أن مهمة مديري الثروات تنحصر في إرشاد أصحاب الثروات إلى كيفية استثمار أموالهم، ولكن الخدمات التي تقدمها تلك الشركات اليوم باتت تشمل مساعدة العميل على تحديد أهدافه واحتياجاته المالية أولاً، ومن ثم تطوير الاستراتيجيات والخطط الاستثمارية المناسبة لتحقيق تلك الأهداف، والإشراف على سير الخطط على المسار الصحيح، ومراقبة أداء المحفظة عن كثب.
في مقابلة في "أرقام"، أكد علي المعارك، نائب الرئيس التنفيذي لإدارة الثروة والأصول لدى The Family Office International Investment Company ، أن التخطيط المالي ووضع خطة مدروسة ومكتوبة من أهم الخطوات التي يجب اتباعها للمضي بنهج مجدي اتجاه الحفاظ على الثروة وتنميتها، من خلال خطة استراتيجية لإدارة التدفقات والاستثمار.
على شركات إدارة الثروات أن تضم مجموعة من أفضل خبراء الاستثمار والتمويل الذين يستطيعون الوصول إلى موارد ومعلومات لا تتاح عادة للمستثمرين الأفراد، مما يعزز قدرتهم على تقديم رؤية للسوق تختلف عن سائر المشاركين فيه، ويمكّنهم من إرشاد المستثمرين لأفضل الفرص الاستثمارية المتاحة وأنسب الخطط لاحتياجاتهم وأهدافهم المالية، سواء كانت قصيرة المدى أو طويلة المدى

يتبع