ببساطة ودون تعقيد.. كيف أشعل "شبل النمر" شرارة أزمة مالية عالمية جديدة؟


رجل يعرف عنه الطمع بنى دارًا ورفض أن يسكن فيها إلا شخص صاحب مال وفير يستطيع أن يدفع له الكراء، ووجد بالفعل ذلك الرجل الذي توسم فيه الثراء وسمح له بالسكن في الدار قبل أن يكتشف لاحقًا أن ساكنه الجديد مفلس لا يملك ما يدفعه ككراء. فقالوا عن هذا وذاك في الأمثال العربية: "طمعنجي بنى له بيت فلسنجي سكن له فيه".
هذه الحكاية وذلك المثل هما ما يتبادر إلى ذهن أي متابع لما يجري في سوق الأسهم الأمريكي خلال الأيام الأخيرة. قصة ربما تكررت على مسامعكم حدَّ الملل، نفس الأحداث وإن اختلفت بعض التفاصيل. مستثمر مؤسساتي كبير يدخل في رهانات عالية الخطورة بدعم من أكبر المؤسسات المالية في السوق المتعطشة للربح، فتحدث هزة ما وتخرج الأمور عن السيطرة فيهرع الكبار لإنقاذ أنفسهم بأي ثمن على حساب استقرار السوق وصغار المتداولين فيه! هل يذكركم هذا بأي شيء؟



وهناك سؤال آخر لا يقل أهمية، من يستطيع منكم حل اللغز التالي؟: شركة إعلامية أمريكية كبيرة دخلت عام 2021 بينما يستقر سعر سهمها عند 37 دولارًا تقريبًا، ولكن بشكل ما تمكن سهمها من الارتفاع بنسبة تقترب من 300% ليتجاوز سعره حاجز الـ100 دولار لأول مرة في تاريخه في غضون فترة لا تزيد على 100 يوم، وذلك رغم عدم مرور الشركة بأي أحداث مهمة أو مؤثرة.
إلى هذا الحد ربما تكون الأمور مريبة بعض الشيء ولكنها في النهاية قابلة للتفسير بشكل ما، وذلك إلى أن يظهر عنصر آخر يزيد الغموض غموضًا، ففي كل مرة تعثر فيها السوق الأمريكي خلال هذه الفترة حافظ هذا السهم على ارتفاعه بشكل مستمر. فعلى مدار الـ100 يوم الأولى من 2021 تحرك السهم في اتجاه واحد وهو الأعلى.الصعود المريب الذي شهده سعر السهم، لفت نظر صغار المتداولين في السوق، الذين كانت لهم بعض النظريات في تفسير ما يحدث. بعضهم اعتقد أن السهم ربما هدف لعمليات **** مكثفة من قبل متداولي الإنترنت مثله مثل سهم "جيم ستوب"، فيما اعتقد آخرون أن الشركة ربما هدف لعملية استحواذ! لكن لا هذا ولا ذاك كان صحيحًا، وأكثر من يعرف هذا هم عدد من كبار المديرين التنفيذيين في وول ستريت الذين انكشفت علاقتهم بالأمر في فضيحة هزت أرجاء السوق الأمريكي خلال الأيام الماضية.كيف بدأ كل شيء؟قبل ما يزيد قليلًا على ثماني سنوات وتحديدًا في ديسمبر 2012 أقر المستثمر الكوري الأمريكي الشهير "بيل هوانج" المعروف بـ"شبل النمر" بالذنب بالنيابة عن صندوقه "تايجر آسيا مانجمنت" خلال محاكمته أمام القضاء الأمريكي في تهمة متعلقة بتورط الصندوق في التداول بناءً على معلومات داخلية، قبل أن تحكم المحكمة بتغريمه 44 مليون دولار.في أي سوق بالعالم، من المفترض أن يصبح رجل مدان بالاحتيال مثل "هوانج" شخصًا منبوذًا من قبل المؤسسات المالية الكبيرة الراغبة في الحفاظ على سمعتها وقبل ذلك على أموالها. وفي أغلب الأحوال هذا ما يحدث فعلًا لشخص مثل "هوانج"، ولكن إذا حضرت الأموال وحضر معها الطمع على مائدة المفاوضات، يمكن أن يحصل حتى تاجر المخدرات المكسيكي "إل تشابو" نفسه على استثناءات."هوانج" الذي كان يعد في وقت من الأوقات واحدًا من أنجح مديري صناديق التحوط في وول ستريت، حاول في الفترة ما بين عامي 2016 و2018 التواصل مع بنك "جيه بي مورجان" للحصول على دعم قسم الوساطة لديه في الاستثمارات الخاصة بصندوق التحوط الذي أسسه في عام 2013 تحت اسم "أركيجوس كابيتال مانجمنت"، ولكن البنك الأمريكي رفض التعامل معه. حين رفض "جي بي مورجان" التعامل مع "هوانج" في ذلك الوقت لم يكن البنك يعرف أنه بذلك ينقذ نفسه من خسائر بمليارات الدولارات فضلا عن فضيحة ستهز أركان السوق في 2021.اتجه "هوانج" إلى بنوك أخرى، ربما أهمها "جولدمان ساكس" الذي حاول مديروه التنفيذيون في قسم الوساطة فتح حساب له أكثر من مرة على مدار سنوات، ولكن في كل مرة كان قسم "الامتثال" في البنك يرفض ذلك. ولكن في الأشهر الأخيرة من عام 2020 تمكن "هوانج" أخيرًا من إقناع "جولدمان ساكس" بالتعامل معه، ليبدآ معا رحلة انتهت على نحو سيئ."جولدمان ساكس" لم يكن سوى واحد من مجموعة بنوك أخرى قررت التعامل مع "هوانج" طمعًا في مكاسبه التي يزعم أن باستطاعته تحقيقها، وضمت القائمة كلًا من البنك الأمريكي "مورجان ستانلي" والألماني "دويتشه بنك" والسويسري "كريدي سويس" والسويدي "يو بي إس" والياباني "نومورا". كل هذه البنوك بدأت في العمل مع "هوانج" كوسطاء لمغامراته الاستثمارية.كيف يعمل "هوانج"؟.. أخطر أداة استثمارية في العالمفي العام 2002 وأثناء حديثه أمام مساهمي شركته "بيركشاير هاثاواي"