الطلب على النفط يبدأ مسيرة التعافي مع تخفيف قيود الحظر حول العالم




استمرت حالة التباين في أسعار النفط الخام مع تلقي الطلب بعض التعافي من تخفيف قيود الحظر والإغلاق في عديد من دول العالم، وعودة استهلاك الوقود إلى مستويات جيدة، بينما تلقت الأسعار ضغوطا هبوطية جراء ارتفاع المخزونات الأمريكية بوتيرة فاقت التوقعات والتقديرات المسبقة.
ويدعم الأسعار اتفاق خفض الإنتاج الذي تقوده دول "أوبك+" ويهدف إلى تقليص المعروض النفطي العالمي بنحو 9.7 مليون برميل يوميا، حيث يسعى إلى الحد من تخمة المعروض وتعزيز تماسك الأسعار في ظل الضغوط الاقتصادية السلبية الهائلة الناجمة عن جائحة كورونا.
ويقول مختصون ومحللون نفطيون "إن الطلب على النفط بدأ بالفعل مسيرة التعافي خاصة مع عودة الإقبال على استهلاك الوقود في الولايات المتحدة بعد أسابيع من الإغلاق التام، الذي تسبب في خسائر اقتصادية فادحة لكنها ضرورية للحد من انتشار وباء كورونا"، مشيرين إلى اندفاع السكان نحو الخروج من منازلهم وزيادة حركة التنقل وهو ما انعكس إيجابا على الطلب بشكل سريع. وأوضح المختصون أن انخفاض الطلب على النفط وصل إلى القاع على الأرجح في منتصف أبريل الماضي قبل أن تعود حركة المرور إلى الانتعاش وتزداد المبيعات في محطات الوقود، عادّين صناعة النفط الخام على وشك تسجيل انفراجة بعد سيل من البيانات الاقتصادية السلبية.
وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا لـ"الاقتصادية"، "إن أسعار النفط الخام تواجه موجة من التقلبات على الرغم من وجود عدد من العوامل الداعمة مثل تخفيف قيود الإغلاق واتفاق خفض الإنتاج الذي تطبقه مجموعة "أوبك+" إلا أنه في المقابل هناك ضغوط واسعة على الأسعار جراء تضخم المخزونات الأمريكية وتسجيلها مستويات قياسية واقترابها من السعات والطاقات القصوى.
وأوضح أن معنويات السوق بشكل عام أفضل من الأسابيع الماضية، لكن الانتعاش ما زال بطيئا للغاية، حتى إن بعض المحللين وتجار النفط يعتقدون أنه من المحتمل أن تستغرق خطة التعافي الكامل أكثر من عام حتى يعود الطلب العالمي إلى مستويات 2019 أو ما قبل الوباء التي تبلغ نحو مائة مليون برميل يوميا.
ومن جانبها، تقول ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة "إن عودة الطلب العالمي إلى مستويات ما قبل الجائحة تتطلب استئناف أنشطة الطيران بمستويات طبيعية، وهو أمر مستبعد في المرحلة الراهنة وقد يستغرق وقتا أطول من بقية الأنشطة الاقتصادية الأخرى، حيث كان حجم الخسائر في هذا القطاع فادحا، كما أن الإصابات ما زالت ترتفع في عديد من الدول الكبرى التي تعد محور حركة الطيران، لافتا إلى تأكيد وكالة الطاقة الدولية أن حجم تدمير الطلب كان هائلا عند نحو 30 مليون برميل يوميا في أبريل الماضي، ما يعني أن عملية التعافي مهمة صعبة.
وذكرت أن عملية التحسن التدريجي في سوق النفط مستمرة خاصة مع بداية مايو الجاري الذي شهد تسارع خطى المنتجين في تحالف "أوبك+" نحو خفض الإنتاج بالتزامن مع تباطؤ أنشطة الحفر وزيادة الإغلاق للشركات الأمريكية، ويمكنهم معا دفع العرض والطلب تدريجيا إلى التوازن بمرور الوقت.
ويشير ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية إلى أن العوامل التي تساعد على استقرار الأسعار تعود تدريجيا إلى السوق، أبرزها تقييد المعروض، لكن وضع المخزونات خاصة مع امتلاء صهاريج التخزين تقريبا يضغط على الأسعار، ويهدد بانزلاق أسعار الخام الأمريكي مرة أخرى إلى المنطقة السلبية في عقود يونيو المقبل.
وأكد أن تخفيض روسيا الصادرات إلى أدنى مستوى لها في عشرة أعوام يعزز الاتفاق الجديد للتعاون بين مجموعة "أوبك+" نحو تقليل الفجوة بين العرض والطلب والمساعدة على تحفيز جهود استعادة التوازن والاستقرار في السوق النفطية، لافتا إلى أن المنتجين باتوا وفق الاتفاق الجديد أكثر حماسا لتقليص المعروض في مواجهة ضعف الطلب.
وأوضح ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة أن المنتجين الأمريكيين قاموا بإغلاق الآبار بمعدل هائل مع استقرار أسعار النفط عند أدنى مستوياتها التاريخية، ومثال على ذلك شركة إكسون موبيل، التي خفضت عدد حفاراتها في الحوض البرمي بنسبة 75 في المائة، لافتا إلى أن الإنتاج الأمريكي يتجه إلى إغلاق آبار بإجمالي إنتاج 15 إلى 20 مليون برميل يوميا. وذكر أن الشركات الأمريكية تتجه إلى غلق آبارها الأحدث والأكثر غزارة أولا وهو ما يسمح للشركات بتخزين النفط في الأرض حتى ترتفع الأسعار، ذلك في ظل قناعة جديدة تناسب ظروف السوق الراهنة، وهي أنه من الأفضل تأجيل معدل الإنتاج المرتفع إلى فترة ما حتى يمكن الوصول إلى مستوى أسعار أفضل، حيث يؤكد عدد من الشركات الأمريكية أنه أصبح لديه المرونة لإعادة كثير من هذه الآبار بسرعة لضخ إنتاجها.
ومن ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار تباين أداء أسعار النفط يوم أمس، إذ تسبب ارتفاع أكبر من المتوقع للمخزونات الأمريكية في أن يركز المستثمرون مجددا على خطر فائض المعروض على الرغم من الآمال بأن يتعافى الطلب مع تخفيف بعض الدول إجراءات العزل العام المرتبطة بفيروس كورونا.
وبحلول الساعة 12:25 بتوقيت جرينتش أمس، كان برنت منخفضا 85 سنتا، بما يعادل 2.7 في المائة إلى 30.12 دولار للبرميل بعد أن كان قد ارتفع في الجلسات الست السابقة.
وهبط خام غرب تكساس الوسيط 51 سنتا، أو 2.1 في المائة ، إلى 24.05 دولار. ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 26 سنتا أو 1.06 في المائة إلى 24.30 دولار للبرميل، لتنهي سلسلة مكاسب استمرت على مدى خمسة أيام.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار سنت أو 0.03 في المائة إلى 30.98 دولار للبرميل. وصعدت أسعار برنت 13.9 في المائة في الجلسة السابقة، في إطار ارتفاع لليوم السادس.
وما زالت شركات التكرير حذرة، على الأخص بالنسبة إلى الطلب على وقود الطائرات، وقالت "إس.كيه إنوفيشن"، مالكة شركة التكرير الكبيرة "إس.كيه إنرجي" يوم الأربعاء "إنها تتوقع تعرض هوامش التكرير للربع الثاني لضغوط بسبب انخفاض الطلب على الوقود وتخمة المنتجات النفطية بسبب الجائحة".
وتراجعت مخزونات البنزين في الولايات المتحدة، أكبر منتج ومستهلك للوقود 2.2 مليون برميل بحسب ما أورده معهد النفط، مقارنة بتوقعات المحللين في استطلاع أجرته "رويترز" بزيادة 43 ألف برميل يوميا، كما ارتفعت معدلات استهلاك المصافي من الخام.
وعلى جانب آخر، ارتفعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 21.44 دولار للبرميل يوم الثلاثاء مقابل 18.36 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" الأربعاء "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب تراجع سابق، وإن السلة كسبت نحو تسعة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 12.41 دولار للبرميل".