السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أدري ما إذا كان مايطرحه نديم الشارت يروق لجنابكم
أم أنه كسراب ٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء
فما أن يصل إليه إلا ويجده قد تبخــّــر الى السماء
فيزداد عطشاً ويهيم على وجهه حيران أسـِفاً
لايبتغي غير السلامة مطلباً .. ولايروم سوى رشفة تبـــل ّ الفؤاد ..
سيـّــان ٌهي إن كانت من الماء .. أو الميرندا .. أو الراوخ لايهم ّ ..
المهم ّ هو أن تبتل ّ تلك الكبد اليابسه
وينتعش ذلك الفؤاد الحزين البائس
وبعد هذه المقدمه اللطيفه ماذا نريد أن نقول !!
من هي ملهمة الشعراء ؟
إنها ذلك الكائن اللطيف الجميل الناعم الواعي الذي يملأ الكون حباً وروعة وحيويـّـة وإبداعاً
حينما يكون مكتسياً بجلباب الطهر والستر والحياء.. بعيداً عن دوائر التنمـّـر والابتذال وفقدان الذات
إنها المرأه ياساده ياكرام ..
فهيـّــا بنا لنلـِـج الى بحارتلك الملـِكـه المليئة بقصص الإلهام الرائعه
لنستلّ منها مايروق لنا ونتخــّـذه أنموذجاً لما تتمتع به من أمكانيات خارقه
تستطيع من خلالها اختراق كيان ذلك الرجل المسكين
وتهكير فؤاده وتعليق قلبه وعقله بها الى يوم يبعثون
أيها الأجلاء .. رجالاً ونساء
إن من يتتبع كتب الأدب العربي
ليجد بأن من أجمل وأروع ماحملته بين دفتيها
لهو العشق العذري العفيف
ثم إنه ليشمّ رائحة الأسى مع كل لحظة فراااااق ٍ أو وداع ٍ لكل محب تعلق قلبه بحبيبه
ما أصعب تلك اللحظات وخصوصاً حينما تحمل بين طياتها صورالذكريات
لا أدري من أين نبدأ
ولكنني كالعاده
سأدخلكم في معمعة أفكاري الغير مرتبـــه
وسأخلط لكم الحابل بالنابل
فأجمل لحظات الأدب هي ماكانت فوضى
دعونا
نبدأ مع تلك الصورة المأساوية التي رسمها لنا بن زريق البغدادي
حينما ودّع زوجته في بغداد وهي تنصحه بأن لايذهب ويتركها وحيدة
ودعها وهي تتشبث به وتمسك بثيابه ونحيبها يشقّ صدر السحاب
وعينيها تبل الثرى بدموع اللوعة ونشيج الأسى
ولكنه أخذ يقنعها بأنه سيذهب ليأتي لها بالمال الوفير والخير الكثير
لم تدم تلك اللحظات طويلاً حتى
غااادر بن زريق
غاااادر والألم يعتصر قلبه هو الآخر
غاااادر وقد حمل على كاهله همّ الفراق واحتسى في جوفه الهااااائم كـُـتلٌ من الحنين المؤلم
غاااادر وقد خزّن في ذاكرته صوراً لتلك الغانيه التي لم يفارقه طيفها لحظه
غادر وهو يستنشق عبق ريحها مع كل نسمة تأتيه من جهة العراااااااق
وصل إلى بلاد الأندلس
وأخذ يتردد على سلاطينها بحثاً عن العطاء بلاطائل يذكر
إلى أن انتهى به المطاف الى أبي عبدالرحمن الأندلسي
ذلك السلطان الذي وضع كل آماله فيه ..
ولكنه خذله ولم يعطه سوى حطام لايرضي طموحه
فخرج كسيراً يجرّ ذيول الخيبة
ثم استأجر بذلك الحطام مكاناً لينام فيه
وكتب قصيدته الشهيره التي يتوجد فيها على زوجته التي خذلها بهذا السفر
ويتمنى لو أنه قد سمع كلامها
ثم وضع القصيده تحت وسادته
فوجدوه في اليوم التالي ميتاً ولم يجدوا معه سوى ماتناقلته الركبان
من تلك الرائعه التي خلدها التاريخ
والتي يقول فيها :
لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حداً يضر به
من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا
من عنفه فهو مضني القلب موجعه
قد كان مضطلعا بالبين يحمله
فضلعت بخطوب البين أضلعه
يكفيه من روعة التفنيد أن له
من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه
رأى إلى سفر بالعزم يجمعه
كأنما هو من حل ومرتحل
موكل بفضاء الأرض يذرعه
إذا الزماع أراه في الرحيل غنى
ولو إلى السند أضحى وهو يزمعه
تأبى المطامع إلا أن تجشمه
للرزق كدا وكم ممن يودعه
وما مجاهدة الإنسان واصلة
رزقا ولا دعة الإنسان تقطعه
والله قسم بين الخلق رزقهم
لم يخلق الله مخلوقا يضيعه
لكنهم ملئوا حرصا فلست ترى
مسترزقا وسوى الفاقات تقنعه
والحرص في الرزق والأرزاق قدقسمت
بغى ألا إن بغى المرء يصرعه
والدهر يعطي الفتى ما ليس يطلبه
يوما ويطعمه من حيث يمنعه
أستودع الله في بغداد لي قمرا
بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي أن يودعني
صفو الحياة وأني لا أودعه
وكم تشفع بي أن لا أفارقه
وللضرورات حال لا تشفعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى
وأدمعي مستهلات وأدمعه
لا أكذب الله ثوب العذر منخرق
عني بفرقته لكن أرقعه
إني أوسع عذري في جنايته
بالبين عني وقلبي لا يوسعه
أعطيت ملكا فلم أحسن سياسته
وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابسا ثوب النعيم بلا
شكر عليه فعنه الله ينزعه
اعتضت من وجه خلي بعد فرقته
كأسا تجرع منها ما أجرعه
كم قائل لي ذقت البين قلت له
الذنب والله ذنبي لست أرقعه
إني لأقطع أيامي وأنفذها
بحسرة منه في قلبي تقطعه
بمن إذا هجع النوام أبت له
بلوعة منه ليلى لست أهجعه
لا يطمئن بجنبي مضجع وكذا
لا يطمئن له مذ بنت مضجعه
ما كنت أحسب ريب الدهر يفجعني
به ولا أن بي الأيام تفجعه
حتى جرى البين فيما بيننا بيد
عسراء تمنعني حظي وتمنعه
بالله يا منزل القصر الذي درست
آثاره وعفت مذ بنت أربعة
هل الزمان معيد فيك لذتنا
أم الليالي التي أمضت ترجعه
في ذمة الله من أصبحت منزله
وجاد غيث على مغناك يمرعه
من عنده لي عهد لا يضيعه
كما له عهد صدق لا أضيعه
ومن يصدع قلبي ذكره وإذا
جرى على قلبه ذكرى يصدعه
لأصبرن لدهر لا يمتعني
به كما أنه بي لا يمتعه
علما بأن اصطباري معقب فرجا
فأضيق الأمر إن فكرت أوسعه
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا
جسمي تجمعني يوما وتجمعه
وإن ينل أحد منا منيته
فما الذي في قضاء الله يصنعه
فلما وقف أبو عبد الرحمن الأندلسي على هذه الأبيات بكى حتى خضب لحيته وقال: وددت أن هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي .. ثم أرسل إلى أهله مايغنيهم ..
هنا
انتهت قصة بن زريق البغدادي
لننتقل بكم الى زوجة بشار بن برد والتي كانت أكثر ذكاءً من زوجة بن زريق
حيث استطاعت أن تعـزف على وتر العاطفه التي جعلت زوجها يتخلى عن السفر
حينما أراد أن يودعها
فقال لها
عدّي السنين لغيبتـــي وتصبــّــري
وذري الشهورَ فإنــّــهنّ قصارُ
فمكان منها إلا أن نظرت في وجهه نظرت المتأمل الحزين
ثم قالت له :
أذكر صبابتـنا إليك وشوقــنا
واذكر بناتك إنـّــهن صغـــارُ
فعــدل عن الرحيل وأقااااام
أما الشاعر المشهور حجاب بن نحيت
فإنه حينما غادرت زوجته الى الطائف ثم لم تعــد إليه لسبب خارج عن إرادتهما
فإنه لم يجد بداً من أن يصدح بتلك القصيدة المغناة المشهورة
والتي تبكي الحجر
حينما يصف فيها ذكريات تلك الزوجه وماتركته من صور لايمكن أن تغيب عن ذهنه
وقد صورها لنا الشاعر بكل إبداع
حين قال :
عودي علي بسرعةٍ تسبق البرق
عودي ترى الفرقا تهدد حياتي
يا منيتي من بيض من سمر من زرق
يا رغبتي يا غايتي يا غناتي
امشي من الطايف على وجهه الشرق
ارجو التوجه بأسرع الطايراتي
صحيح من قال العذارى بهن فرق
الاسم واحد مير متخالفاتي
بي جرح قبل و زوده بعدكم حرق
واصبحت احسّب سيتي واحسناتي
انتي درقتيني بدعوى السفر درق
عسى عدو عينك يسوي سواتي
تطرق ضلوعي من سبب بعدكم طرق
القلب يضربهن وهن مقفلاتي
وانوح نوح منوحاتٍ من الورق
لا شفت بعض اثيابج معلقاتي
وتبلغ الصورة الشعريـّـه أوجــّــها حين قااااااال :
هذا محل الضحك والمزح والقرق
وهذا محل المعطفه والعباتي
موتي حدث ماهو بذبحٍ ولا غرق
شهيد حب امواجك المرسلاتي
قمـّــة في الروعه والتصوير واللحن والأداء النابع من قلب صادق أحرقه لهيب الشوق
وتقاذفته أيادي الذكرياااااات الجميله التي لم يبقى سوى آثارها الداعية الى استدارار دموع الحزن
لم أقف على قصيدة تضاهي هذه القصيدة في الروعه والجمال
سوى قصيدة نزار قبــاني
على لسان إحداهن وهي تقول :
مـــاذا أقول .. إذا دقت أنامله
برقة باب داري كيف ألقاه ؟؟!!
ماذا أقول له لو جاء يسألني
إن كنت اكرهه أو كنت أهواه؟
ماذا أقول : إذا راحت أصابعه
تلملم الليل عن شعري وترعاه؟
غداً إذا جاء .. أعطيه رسائله
ونطعم النار أحلى ماكتبناه
حبيبتي ..! هل أنا حقا حبيبته؟
وهل أصدق بعد الهجر دعواه؟
أما انتهت من سنين قصتي معه؟
ألم تمت كخيوط الشمس ذكراه؟
أما كسرنا كؤوس الحب من زمن
فكيف نبكي على كأس كسرناه؟
رباه..أشياؤه الصغرى تعذبني
فكيف أنجو من الأشياء ربـاه؟
هنا جريدته في الركن مهملة
هنا كتاب معاً .. كنا قرأنــاه
على المقاعد بعض من سجائره
وفي الزوايا .. بقايا من بقاياه
مالي أحدق في المرآة .. أسألها
بأي ثوب من الأثواب ألقـــاه
أأدعي أنني قد كنت أكرهه
وكيف أكره من في الجفن سكناه؟
وكيف أهرب منه ؟ .. إنه قدري !
هل يملك النهر تغييرا لمجراه؟
أحبه .. لست أدري ما أحب به
حتى خطاياه ما عادت خطاياه
الحب في الأرض بعض من تخيّلنا
لو لم نجده عليها .. لاخترعناه
ماذا أقول له لو جاء يسألني
إن كنت أهــواه..؟ إني ألـف أهــواه
هذا
وإلى لقاء ٍ آخر نعزف لكم به عزفاً نتمنى أن يرتقي إلى ذائقتكم الراااائعه
نديم الشارت
المنجضع باللفـّـــه
مواقع النشر (المفضلة)