في العامين الأخيرين، شهدت البشرية أزمات متزامنة ومتلاحقة، ولا شك أن العالم كان قد واجه أزمات سابقة عديدة مثل أزمة 2008 ثم أزمة الربيع العربي ثم أزمات النفط ثم تنامي ظاهرة الإرهاب العالمي ثم الحروب التجارية وتغيرات المناخ ****يفة والقاسية ثم البريكست واهتزاز وحدة منطقة اليورو، ولا نغفل الحروب والصراعات المتعددة في مختلف مناطق العالم والتوترات الجيو-سياسية في بحر الصين الجنوبي والشرقي وشرق أوروبا، وكل هذه الأزمات بدورها ضغطت على مستويات الأسعار والتضخم ومستويات دخول ومعيشة الناس.لكن في عامي 2020 و2021 كانت الأمور غير مسبوقة ومختلفة تماماً عما سبق، في البداية أزمة صحية وصلت إلى مرحلة الجائحة العالمية ثم ركود اقتصادي هو الأعنف منذ عشرات السنين ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل دخلت البشرية في تحدٍ ثالث هو أزمة في الطاقة ونقص في إمدادات البضائع وعراقيل التجارة وسلاسل التوريد العالمية ثم تحدٍ رابع هو أزمة تضخم.كل هذه الأزمات المتلاحقة كانت صفتها الأساسية أنها متزامنة وكثيفة، أي أنه لم يكن هناك وقت يتنفس فيه الأفراد والأسر الصعداء قبل أن يصطدموا مجدداً بأزمة جديدة، لم تكن المجتمعات تخرج من أزمة قبل أن تدخل في دوامة أزمة أخرى بالتوازي مع الأزمات القائمة، ضغوط نفسية عنيفة وآثار سلبية على المالية العامة للفرد والأسر، وفي الحقيقة ترك عاما 2020 و2021 علامات وجروحاً عميقة وغائرة على مئات الملايين في كل دول العالم بلا اإستثناء وبدرجات متفاوتة.الأزمة والعامل النفسيعندما نشعر بتهديد أو خطر يقترب، تبدأ استجابة أجسامنا بالانفعال ورد الفعل وتزداد ضربات القلب وهرمونات التوتر يرتفع ضخها مثل "الكورتيزول، الأدرينالين، الكانيكولامينات، الفاسوبريسين" وغيرها من التغيرات التي تحدث فسيولوجياً، هذا الأمر يحدث يومياً مع التوترات المتكررة الصغيرة وتذهب وتجيء مراراً، لكن في حال استمرارها لفترة طويلة بنفس مدة بقاء التهديد حال كان طويل الأجل، وهنا يكمن الخطر لأن الحالة العصبية والاستنفار الفسيولوجي لأعضاء الجسم تجاه التهديد تجعلان الإنسان منكشفاً أمام الأمراض وتدهور صحته وضعف مناعته.نظراً لاستمرار حالة الاستنفار لفترة طويلة مما يتسبب في إنهاك الأجهزة الحيوية، وهذا بدوره يؤدي إلى أمراض في القلب والجهاز الهضمي وضغط الدم والسكر والاكتئاب وزيادة الوزن، والمؤكد أن دخولك في مشكلات صحية يدخلك في علاقة عكسية مع وضع استراتيجية للخروج من أزماتك الاقتصادية والمالية، استمرارك بصحة جيدة وتركيز كامل وعافية مستقرة هو وقودك للسير في رحلة التعافي من الأزمة ومواجهة التهديد المالي، انتبه واستعد لكن لا داعي للهلع والتوتر اللانهائي.أول الحلول لمنع مشكلة التوتر المستمر هو السيطرة على أفكارك وعقلك، تذكر نجاحاتك واستعادة ثقتك بنفسك وأنك قادر على تخطي أي صعاب كما فعلت سابقاً، الاسترخاء أيضا له دور مهم بين فترة وأخرى وممارسة الرياضة تساعد على التنفيس عن الطاقة السلبية التي بداخلك، درّب نفسك دائماً على تشتيت انتباهك بعيداً عن الأمور السلبية والتركيز بخيالك على الأمور الإيجابية في أثناء انغماسك بالمشكلة أو الأزمة أو تذكرك للمشكلة التي لم تحلها حتى الآن، ضع خطة للخروج منها لكن شتت انتباهك بعيداً عن المشكلة ذاتها.الأزمة ومتابعة الأخبارعليك طوال الوقت أن تتابع النشرات والأحداث ومستجدات السياسة والاقتصاد والشأن العام، لأن بعض هذه المستجدات قد يؤثر على حياتك تأثيراً جذرياً، فعلى سبيل المثال لو كانت دولة ما تعاني من سوق سوداء للعملة وترزح تحت ضغوط أزمة اقتصادية عنيفة نتيجة نقص العملات الصعبة في السوق المحلي، وأعلن المسؤولون في النشرات أنهم بصدد التفكير في الأجل القصير بحل هذه الأزمة عبر تحرير سعر الصرف، عند معرفتك بهذه المعلومة ستجد أن التصرف السليم في ذلك الوقت هو أن تتوقف عن إجراء أي قرض بالعملة الصعبة، لأنك في حال كنت تسدد بالعملة المحلية فإنك سوف تضاعف على نفسك قيمة القرض مرتين وتسدده مضاعفاً بعد تحرير العملة وانخفاض قيمتها أمام العملات الدولية.مثال آخر، في حال كنت تملك شركة نقل بضائع فلا بد أن تقوم يومياً بمتابعة أخبار النفط والطاقة في بلدك والعالم، خاصة إن كان بلدك مستورداً للنفط وبالتالي ليس من المنطقي أن تتجاهل هذه المتابعات أو أن تتكاسل عن دراستها والاهتمام بها، لأن زيادة السعر العالمي بعشرة دولارات مثلاً قد تؤدي إلى إفلاس تجارتك حال تفاجأت بها ولم تكن تستعد لذلك عبر المتابعة والدراسة اليومية.تحويل الأزمة إلى فرصةعندما تسيطر على انفعالاتك وتكون هادئاً واستجابتك تحت السيطرة ثم تبدأ في استيعاب الأزمة وما يحدث حولك وتدريجياً تتابع الأخبار والمستجدات اليومية أو الأسبوعية، وبعد ذلك تقوم بالنقاش مع أصدقائك وينُصح أيضاً بالذهاب لمتخصصين في مجال إدارة الثروات والأصول لتعلم كيفية الاستفادة وتحويل الأزمة إلى فرصة، لن تستطيع أن ترى الفرصة وأنت متوتر ولن تستطيع أن تقتنصها إن كنت لا تراها ولا تتابع الأخبار أصلا.في أوقات الأزمات تتدهور قيم أسهم بعض الشركات في عدد من القطاعات، على سبيل المثال في بدايات أزمة الجائحة تراجعت أسهم شركات الطاقة المدرجة في أسواق الولايات المتحدة أو مثلاً شركات السفر والترفيه المدرجة أوروبياً، وذلك الانخفاض الذي يمثل فرصة شرائية كان بدافع من انخفاض الطلب وتدهور النظرة المستقبلية للإقبال على النفط ومشتقاته، شراء هذه الأسهم في الوقت الذي تكون فيه رخيصة يمثل فرصة لزيادة الدخل عبر إعادة بيعها في وقت تعافي القطاع وهو ما حدث بعدها بأقل من عام.في حال كنت مُقبلاً على إجراء توسعات لمشروعك أو تأسيس مشروع جديد بقرض مصرفي، وأثناء الأزمات خاصة بالفترة الأولى تلجأ السلطة النقدية لتخفيض سعر العائد لتشجيع المقترضين على مزيد من الاقتراض لتحفيز النشاط الاقتصادي، حال انتظارك قليلاً حتى تغيير دفة السياسة النقدية ناحية التخفيض والتحفيز فإن ذلك يحقق لك وفراً كبيراً في تكاليف القرض ومدفوعاته وأقساطه السنوية.الأزمة وتخفيف الأعباءقد يكون لوقوعك تحت ضغط أو تهديد مالي أكبر منك ومن قدراتك مثل التهديد على مستوى الدولة أو العالم كالتهديد الذي نعيشه الآن طوال العامين الماضي والجاري، قد يكون لذلك فائدة عليك من حيث التخلص من مصروفات والتزامات لم تكن بحاجة فعلية إليها وتضطرك الضغوط إلى مراجعة ماليتك العامة الصغيرة وتبدأ في توجيه الأسئلة لنفسك: هل انا فعلاً أحتاج إلى هذا المنتج/الخدمة؟.وهي أيضا فرصة للأشخاص الذين لم يكونوا منظمين مالياً من قبل أن يدركوا أهمية التنظيم وضرورة أن تُعد لنفسك ميزانية واضحة بالإيرادات والمصروفات وأن تدرب نفسك على الالتزام بما جاء فيها، وأن تضع مستهدفاتك المالية بنهاية الشهر وبنهاية العام، وكيف تجهز خططاً مالية لالتزامات قصيرة الأجل مثل مصروفات اشتراكات النادي أو طويلة الأجل مثل السفر الترفيهي في رأس السنة الجديدة.المصادر: أرقام – هارفارد هيلث ببليشنج - hormone.org– الجمعية الأمريكية للطب النفسي apa–theconversation.com–Investopedia.
مواقع النشر (المفضلة)