مشاهدة النسخة كاملة : بيان الأغاليط(1) تحريفهم لـ (وترى الجبال تحسبها جامدة.) على دوران الأرض
alharbee12
06-01-2024, 04:07 PM
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبدأ بعون الله هذه السلسة والتي أرجو أن تكون ممتعة ومفيدة، ولكن قبل أن تشرع في قراءة هذه السلسلة أرى أنه من المهم أن تقرأ هذا الموضوع إن لم تقرأه من قبل :
حقيقة أدعياء المعرفة بالإعجاز العلمي ونظرتهم للصحابة رضي الله عنهم !
https://www.madarib.com/vb/showthread.php?t=71109
.
ونبدأ مستعينين بالله الحكيم العليم الذي أتقن كل شيء :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أقصد في هذا الرد من يقول أن هذه الآية تحتمل أن تكون في الدنيا وفي يوم القيامة ويقف عند هذا الحد . فهذا لم يتكلف .
وإنما المقصود هم الذين ينفون حصول هذه الآية يوم القيامة، ويجزمون أنها واقعة اليوم ويقصدون دوران الأرض ، فمثل هذا لا بد له من أن يتكلف !
وسأبدأ بأهم أمر عندهم ، وهو قولهم : أن هذه الآية وصفت حالة الجبال بالإتقان ، ويوم القيامة لا إتقان فيه أو لا يوصف بالإتقان !
وإذا قلنا أن موضع استدلالهم هو نفسه رد على هذا التكلف، فإننا لم نقل شطط من القول ، إذ أن معنى قولهم هذا، أن أحداث يوم القيامة عبث وفوضى لا حكمة من ورائها ! فكأن هذه الآية تقول لهم: لا تظنوا هذا الظن، فهناك حكمة مقصودة ، وليست هذه الأحداث من باب العبث !
فنسأل هذا القائل :
جاء في الآية ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) فهل ( كل شيء ) هنا عام يشمل جميع ما يفعله الله في ملكه بما في ذلك أحداث يوم القيامة ؟
فإن قال : نعم ، قلنا : الحمد لله بهذا يسقط هذا الاعتراض ، فحالة الجبال هذه إن كانت يوم القيامة فستكون داخلة في هذا العموم .
أما إن قال : لا. هذا عام أُريد به الخصوص ! فلا يشمل تلك الأحداث .
نسأله : ما معنى كلمة ( أتقن ) سيجيب : أحكم ، أحسن ، أبرم .... إلخ ... وكلها معان تدل على علم الفاعل .
فنقول له : إذًا نفهم من قولك ( أن يوم القيامة لا إتقان فيه أو لا يوصف بالإتقان ) ، أن الله سبحانه سيترك الأمور فوضى وعبث، ولن يُحسن ويُحكم أحداث هذا اليوم !
إذ أن الإحكام والإتقان أن يضع كل شيء في محله المناسب لتحصل به الحكمة المقصودة منه، فأحداث ذلك اليوم بما فيها رؤية الجبال بهذا المنظر، تحصل به حكمة، فيكون الفعل متقنًا .
ولا يُشترط أن نعلم ما الحكمة من فعل الله عز وجل ، ولكن نحن نؤمن بأن الله سبحانه لا يفعل شيئًا عبثًا فله حكمة في كل ما يفعله ، ولا تنس أن الإحكام والإتقان يستلزم علم الفاعل.
إن كان على منهج أهل السنة والجماعة سيقول : لا. لن تكون الأحداث فوضى وعبث ، بل هي مقدرة بتقدير العليم الخبير .
فنقول : الحمد لله ، فعل وتقدير العليم الخبير لا يكون إلا لحكمة وغاية فيكون في غاية الإتقان .
فتكون الآية رد على هؤلاء المتكلفين وبيان لهم أن الأمر ليس عبثًا وفوضى كما يظنون، بل كما نقل الألوسي واستحسنه :
وقال بعض المحققين: ............... النفخ في الصور وما ترتب عليه جميعا قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل وتهويل أمرها والإيذان بأنها ليست بطريق إخلال نظام العالم وإفساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن يكون فيه حكمة بل هي من قبيل بدائع صنع الله تعالى المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة التي لأجلها رتبت مقدمات الخلق ومبادئ الإبداع على الوجه المتين والنهج الرصين كما يعرب عنه قوله تعالى: الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ أي أتقن خلقه وسواه على ما تقتضيه الحكمة اهـ، وحسنه ظاهر.
انتهى النقل
ثم إننا نقول : هل قولكم هذا خفي على أئمة المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، ومن جاء بعدهم من أئمة البيان واللغة في التفسير من أئمة الهدى، ولم يلحظوا أن يوم القيامة يوم هدم وتخريب لا إتقان فيه كما تظنون ؟!!!
ولو كنت يا أيها القائل هذا القول لم تعلم عن مسألة دوران الأرض، هل كنت ستستشكل هذا الأمر ؟ أم أنك ستقول كما قال أئمة الهدى ؟
لنا لقاء بمشيئة الله .
<
.
alharbee12
07-01-2024, 06:21 PM
.
تابع :
قالوا : أن الآية فيها ( وترى الجبال تحسبها ) ويوم القيامة لا حسبان فيه !
فنسألهم : من قال أن يوم القيامة لا حسبان فيه ؟ نريد آية أو حديث أو كلام أحد السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الهدى من بعدهم .
لا يوجد ! بل الموجود العكس كما سيأتي الدليل عليه .
وعللوا قولهم بتعليل عليل فقالوا : أن يوم القيامة تظهر فيه الحقائق على أتم الصور وأكمل الوجوه فلا ظن ولا حسبان فيه !
فنقول لهم : هل حقائق هذا اليوم متوقفة على يقين الإنسان ؟ سيقولون : لا .
إذًا إذا كان الأمر حق في نفسه فلا يتوقف على يقين الناس لتثبت حقيقته ، فما علاقة انتفاء الظن والحسبان، بكون يوم القيامة تظهر فيه الحقائق على أتم الصور كما تقولون ؟! فدنياكم اليوم حقيقة وليست خيال، وكون الإنسان لديه ظن وحسبان اليوم، لا يعني أنه لا يرى الحقائق على أتم الصور وأكمل الوجوه !
فسواءً انتفى الظن والحسبان أو لم ينتف فالحقيقة هي هي، باقية على صورتها !
فيوم القيامة وما فيه حق ثابت في نفسه ، وأنتم مُطالبون بالدليل على انتفاء الظن والحسبان عن الإنسان في ذلك اليوم .
وهنا حديث يرد عليكم، ففي صحيح البخاري ومسلم من حديث طويل ( النقل من صحيح البخاري ) :
فَقَالُوا: عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ أَلاَ تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ .
نعوذ بالله من هذا الحال ، فهذه النار يحسبها الكفار ماءً لأنها تبدو لهم كالسراب فيأتونها ليشربوا منها فيتساقطون فيها .
فمن أين أتيتم بأنه لا ظن ولا حسبان في يوم القيامة ؟ فانظر واعجب إلى أين وصل التكلف بهؤلاء بزعمهم نصرة الإسلام ونشره !
ثم إننا نقول : هل انتفاء الظن والحسبان عن الناس في تلك اللحظات، خفي على الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومن جاء بعدهم من أئمة الهدى ، ولم يتبين الأمر للمسلمين إلا بعد أن ظهرت هذه النظرية ؟
ولو كنت يا أيها القائل هذا القول لم تعلم عن هذه النظرية، هل كنت ستقول بهذا، أم أنك ستقتفي أثر أئمة الهدى ؟
لنا لقاء بمشيئة الله
<
.
alharbee12
09-01-2024, 03:56 AM
.
تابع :
أورد أحد المتكلفين على نفسه هذا الاعتراض ، ثم أردفه بالجواب .............. ( اللون الأزرق كلامه ) :
وقد يقول قائل: إن الآية وردت في سياق حديث الآخرة، وليست حكاية عن أحوال الدنيا؟
فيجاب بأن هذا القول بعيد ................................... ثم قال :
اختلاف الصيغة عن سابقاتها في التعبير، فهناك قال سبحانه: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} النمل: 87، بالبناء للمجهول، وهنا وردت العبارة بلفظ الخطاب، ولو كان الحديث عن الآخرة لجاء التعبير (وتُرى الجبالُ) بالبناء للمجهول، على النسق السابق، أي تُرى في ذلك اليوم الجبالُ، برفع الجبال لا بنصبها، لأنه يصبح خبراً لا خطاباً، فهذه المغايرة تدل على أن الأمر هنا في الدنيا.
هؤلاء اعتقدوا صحة النظرية ثم ذهبوا ليستدلوا فلا عجب أن ترى منهم مثل هذا التكلف ، وهم في غنية عن مثل هذا التكلف لو قالوا أن الآية تحتمل !
أئمة التفسير كانوا أئمة في العربية وأساليبها قبل التفسير، ولن يُقبل من أحدهم التفسير في تلك الأزمنة لو كان ي*** العربية .
فلم يستشكل أحدٌ منهم هذه الآية بمثل هذا الاشكال !! ثم يأتي هذا ويزري بهم وكأنهم ***ة لا يفهمون أساليب العرب ولا أساليب القرآن ! وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، بل أبلغ من هذا حتى مشركي قريش ومشركي العرب لم يتخذوا هذه الآية مطعنًا في القرآن، وذلك لأنهم فهموا الأسلوب، وما كانوا يعلمون عن مسألة دوران الأرض شيئًا مما يدل على أن هذه لغتهم وأسلوبهم !
ثم يأتي هذا المتكلف ويقول لو أراد كذا لقال كذا، ملغيًا لهذا الأسلوب من كلام العرب !!!
هذا الأسلوب أسلوب قرآني عجيب فينقلك دون أن تشعر من خلال التنويع، وله أمثلة في القرآن ، في خبر الماضي وفي خبر المستقبل ، ففي الماضي:
قال سبحانه بعد أن قص خبر الفتية ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا
ومعلوم أن كل من يقرأ القرآن من البشر ويستمع له ، لم يكن موجودًا في زمن الفتية !
أما في المستقبل فإليك الآيات في نفس المعنى الذي تكلف فيه هذا المتكلف :
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ .
فغاير في الصيغة ، ثم نص على أن هذه الرؤية ستكون في ذلك اليوم ، فلم يقل سبحانه ( ويُرى المجرمون )
قال تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ..... إلى أن قال سبحانه : وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
فغاير في الصيغة ، ومعلوم أن هذا خبر سيكون في المستقبل ، فلم يقل سبحانه : ويُرى الملائكة !
وعلى هذا فلو قيل أن المعنى وترى الجبال في ذلك اليوم تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، لم يكن المعنى بعيد كما قال هذا المتكلف !
وبعد، فإذا تبين لك هذا وعلمتَ أن أقحاح العرب لا يعلمون شيئًا عن دوران الأرض، وأن مشركيهم لم يطعنوا في القرآن بخبره عن حركة الجبال التي تمر مر السحاب وهم يرونها جامدة ، وعلمتَ أن أئمة التفسير لم يُشكل عليهم هذا الأسلوب ، سيكون أمامك أمر لا ثاني له :
أن تحكم على هذا المتكلف بأنه غالٍ في تكلفه لدرجة أنه خطّأ أئمة التفسير وأقحاح العرب عندما نفى أن يكون هذا الأسلوب من العربية .
وإني لا أشك في هذا المتكلف وأمثاله أن لو كانت الآية ( وتُرى الجبالُ ) لاتخذها دليلًا له على نظريته، وجعلها أظهر في الدلالة ، ولا ستشهد بالآيات التي ذكرناها على أنه لو كان المقصود يوم القيامة لجاء الخطاب بهذه الصيغة ( وترى الجبالَ ) !!!
فإن كنتم تعلمون أحد من أئمة التفسير وأئمة الهدى والبيان من السابقين أشكلت عليه هذه الآية فاذكروه لنا !
لنا لقاء بمشيئة الله .
<
.
alharbee12
10-01-2024, 11:16 PM
.
تابع :
قالوا : أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على أرض بيضاء مستوية كما في الصحيحين: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء، عفراء، كقُرصة النَقِيِّ، ليس فيها عَلَمٌ لأحدٍ) ،أي مثل قرص الخبز الأبيض، الخالص البياض، فأين هي الجبال حتى ينظر الناس إليها يوم القيامة؟ فهذا نص قاطع على أنه ليس في الآخرة جبال ولا وهاد، ولا قصور ولا بناء.
الكلام هنا في ثلاث نقاط : النقطة الأولى : هي أن هذا الأسلوب الذي في الآية لا يشترط وجود وحضور السامع في مكان وزمن حصول الأمر المُخبر عنه ، فهذا أسلوب وصف مشهد، وإخبار عن حال يُقصد به نقل السامع وكأنه يشاهد ما يُخبر عنه .
وهو موجود في أشعار العرب، ومثاله في القرآن قوله تعالى ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ) ومعلوم أن كل من يسمع ويقرأ القرآن من البشر لم يكن موجودًا في ذلك الزمن، ولكنه وصفهم ولفت أذهاننا ونقلها وكأننا نشاهدهم ، وقبلها ( وترى الشمس ) .
ومثاله في شعر العرب وهو كثير قول امرؤ القيس ( تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَـا ..... وَقِيْعَـانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُــلِ)
فكل من يسمع هذا البيت ينتقل فكره وذهنه لهذا المشهد، ولا يُشترط حضوره ووجوده في هذا المكان والزمان .
وأنا أقول : لا يُشترط ، فقد يحضر ويوجد وقد لا يحضر ! إذا اتضح لك هذا فانظر إلى النقطة الثانية :
لا يوجد في الحديث الذي ذكره المتكلف ما ينفي رؤية الناس للجبال، غاية ما فيه أنهم يُحشرون في أرض بيضاء لا جبال ولا أشجار فيها، ولكن قبل هذه اللحظة أو المرحلة هل عنده دليل على أن الناس و الجبال لا يجتمعان في هذا اليوم وأنه لا وجود للجبال يوم القيامة ؟ لا يوجد لديه دليل على هذا، بل الدليل ضده كما سيأتي
لنا لقاء بمشيئة الله .
<
.
SUPER ADMIN
13-01-2024, 09:17 AM
الموضوع غير مجدي
واتمنى اختيار موضوع يمس العبادة والتوحيد من كتب اعلماء السنة والجماعة
واختيار الاهم منها من حقوق الله على العباد والصلاة وواجبتها والصوم والزكاة
alharbee12
13-01-2024, 11:19 PM
الموضوع غير مجدي
واتمنى اختيار موضوع يمس العبادة والتوحيد من كتب اعلماء السنة والجماعة
واختيار الاهم منها من حقوق الله على العباد والصلاة وواجبتها والصوم والزكاة
الدفاع عن القرآن والسنة وبيان التحريف الذي يطالهما من أعظم العبادات، وهو ما يتميز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم .
لذلك لن تجد في مواضيعي ما يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة .
<
alharbee12
13-01-2024, 11:25 PM
.
تابع :
النقطة الثانية :
لا يوجد في الحديث الذي ذكره المتكلف ما ينفي رؤية الناس للجبال، غاية ما فيه أنهم يُحشرون في أرض بيضاء لا جبال ولا أشجار فيها، ولكن قبل هذه اللحظة أو المرحلة هل عنده دليل على أن الناس و الجبال لا يجتمعان في هذا اليوم وأنه لا وجود للجبال يوم القيامة ؟ لا يوجد لديه دليل على هذا، بل الدليل ضده كما سيأتي
يوم القيامة يوم طويل وفيه أحداث وأحداث ، وللجبال في هذا اليوم حالات تكون كالعهن المنفوش وتكون كالكثيب المهيل، وتُسير ، ولا ندري عن المدة التي تأخذها كل حالة !
ولكن نحن نسأل هذا المتكلف هذا السؤال : قال تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) ألا تحتمل رؤية الناس للجبال ؟
قال بعض المفسرين من أهل اللغة قوله ( وحشرناهم ) بصيغة الماضي، دليل على أن حشرهم كان قبل تسيير الجبال ليروا هذه الأهوال .
فالحديث الذي ذكره هذا المتكلف هو مرحلة من مراحل هذا اليوم وهو بعد خلو الأرض من الجبال والأشجار
وفي صحيح البخاري ومسلم ( و النقل من صحيح مسلم ) :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ، تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}،
فالنبي عليه الصلاة والسلام هنا لم يعترض على الحبر بمثل الحديث الذي جاء به المتكلف ، ولم يقل له يوم القيامة ليس فيه جبال ولا شجر، بل أقر الحبر بما قال، وهذا يدل على وجود الخلق والجبال في لحظة من لحظات يوم القيامة، وليس كما يظنه هؤلاء المتكلفون أنه لا يجتمع الناس والجبال يوم القيامة ، وأنه لا جبال يوم القيامة .
فدل الحديث على أن يوم القيامة فيه وقتٌ تكون فيه جبال وأشجار، وأن الحديث الذي جاء به المتكلف مرحلة من مراحل يوم القيامة تكون بعد تسيير الجبال والأشجار وزوالها .
وكلمة ( تصديقًا له ) التي جاءت عن الراوي في هذا الحديث ، لها عند أهل السنة والجماعة موقع عظيم، فهي سلاح يشهرونه في وجوه المبتدعة .
فإن شغب أحد المتكلفين وقال بعض الروايات لا توجد فيها ( الجبال ) قلنا : الروايات توجد فيها ( الأشجار ) أو ( الماء ) ثم أن قوله ( سائر الخلق ) أو ( الخلائق ) لفظ يجمع! فعلى كل حال هو يخالف الحديث الذي استشهدتم به ، فلا دلالة لكم في الحديث الي استشهدتم به بانتفاء رؤية الناس للجبال في ذلك اليوم وغاية ما فيه أنها مرحلة من مراحل يوم القيامة .
النقطة الثالثة :
الشيء إذا استحال إلى شيء آخر فإن اسمه المعهود يبقى عند من يعرفه، فالجبال إذا أصبحت كثيبًا مهيلًا، وهباءً منبثًا وكالعهن المنفوش ، يبقى اسمها المعهود عند من يعرفها ، فلو قُدر أنك ستكلم أحد في ذلك اليوم فإنك ستقول : أنظر إلى الجبال كيف أصبحت ، ولو سألك أحد أين الجبال؟ فستقول له : هذه هي الجبال .
فإذا كان الناس يعرفون أن هذه هي الجبال في ذلك اليوم، ويعرفون أحوالها، جاز مخاطبتهم عنها بالاسم المعهود لها عندهم .
وعلى هذا فنحن لا نعلم في أي حال ستكون الجبال عند هذا المشهد، ولكن ذكرنا هذه النقطة من باب الجدل والمناظرة وإضافة علم، وتوضيح وبيان لهؤلاء المتكلفين .
لنا لقاء بمشيئة الله .
<
.
alharbee12
15-01-2024, 01:39 AM
.
تابع
وبعد، فهذا تكلفهم في هذه الآية، وكما رأيت، لا دليل من القرآن ولا من السنة يؤيدها! ولا لسان العرب كان معهم، بل إنها مخالفة للقرآن والسنة وللسان العرب! كما تبين لك .
ومع هذا التكلف الواضح جعلوا هذه الآية محكمة وأخذوا يتكلفون تأويل ظواهر الآيات الأخرى !
والحقيقة أن تناول آيات القرآن العظيم وأحاديث النبي الأمين بمثل هذه الطريقة يتضمن الطعن في فصاحتهما وبيانهما ، واتهام لهما بعدم البلاغ المبين ، ومشابهتهما بالألغاز !
ولا فرق بين هؤلاء المهووسون بالنظرية وبين المتكلمين وما يسمى فلاسفة الإسلام من حيث المحصلة النهائية لقولهم، فحاصل قولهم: اتهام الأنبياء بعدم البيان، أو تجهيلهم، أو بالكذب .
فسلفهم السابقون اعتقدوا صحة ما جاء في كتب اليونان، فاصطدموا بنصوص الوحي، فما كان منهم إلا إتهام الأنبياء ومن ثم تحريف كلامهم ليتوافق مع كلام اليونان .
وهؤلاء اعتقدوا صحة هذه النظرية فاصطدموا بنصوص الوحي فما كان منهم إلا تأويل ما جاء عن الأنبياء، دون أن يتأملوا في كلامهم وإلى أي مدى قد يصل.
فلا أولئك ولا هؤلاء اتهموا ما جاء عن البشر ، وإنما اتهموا ما جاء عن الوحي !
وتجد بعضهم يتهم مخالفيه في هذا النظرية وغيرها إن لم يقولوا بقوله، بالتسبب في إلحاد بعض المسلمين ، لأن العلم ( كما يتوهمون ) أثبت دوران الأرض وأنتم تصرون على التمسك بظواهر النصوص .
فنقول لهم : إذا وصل الأمر في هذه المسألة إلى هذا الحد، فأنتم تتهمون النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لم يبلغ البلاغ المبين! وأنه قصَّر في بيان هذه المسألة.
ونحن نعتقد جازمين أن النبي عليه الصلاة والسلام ما ترك شيئاً فيه خير لأمته إلا دلها عليه، وما ترك شيئًا فيه شر عليها إلا حذرها منه، بأبلغ بيان وأفصح لسان، فإذا كان دلها على آداب الأكل والخلاء والنوم، فهل يُعقل أن يترك مسألة تنزع الإيمان من القلب دون بيان ؟!
فإذا كانت هذه المسألة تصل لهذا الحد ولم يبينها النبي عليه الصلاة والسلام ببيان واضح، فالتمسك بظواهر النصوص أولى .
ومن عجائب هؤلاء أنك عندما تسأل لماذا النبي عليه الصلاة والسلام لم يبين المسألة بوضوح ؟ فإنه لا يجد حرجاً من الطعن في إيمان الصحابة رضي الله عنهم، فيقول : لو أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بدوران الأرض ما صدقه أحد من الناس في أمر الدين !!
هكذا بكل بساطة يطعن في عقول الصحابة رضي الله عنهم وقوة إيمانهم ، وكأن ذبابة وقعت على أنفه فهشها ، والصحابة رضي الله عنهم آمنوا بما هو أعظم من هذه المسألة، وكأنه لم يبق إلا هذه المسألة العظيمة فأخفاها عنهم خشية أن يكفروا .
ولا أدري لو كان هذا الرجل في زمن النبي عليه الصلاة والسلام هل سيؤمن بما هو أعظم من هذه المسألة ؟ وهل إيمانه بهذه الأمور الآن نتيجة وراثة أم عن تصديق واقتناع ؟!
تم بحمد الله .
أسأل الله لي وللجميع العلم النافع والعمل الصالح .
<
.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir