طالع نسبه
01-02-2022, 03:35 PM
مع احتدام الأزمة السياسية بين روسيا وأوكرانيا، وحشد القوات من الطرفين على الحدود، بدا من الواضح أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا أقرب من أي وقت مضى، لا سيما مع تحذير الولايات المتحدة أن الاجتياح الروسي قد يكون الشهر المقبل. وهدد الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا في حال الاجتياح. وقد لا تتضرر الولايات المتحدة كثيراً من أي قرارات انتقامية روسية، إلا أن الاتحاد الأوروبي منكشف وبشكل واضح بسبب احتياجه للغاز الروسي والذي يشكل 40% من استهلاك الغاز الأوروبي، فهل يستطيع الاتحاد الأوروبي فعلاً مواجهة روسيا بفرض عقوبات عليها مع ما تملكه الأخيرة من سلطة عليها؟
لمعرفة طبيعة الشراكة الأوروبية - الروسية في الغاز، تنبغي العودة لبداية الستينات الميلادية، ويمكن النظر إلى هذه العلاقة على أنها مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى حين اتفق الطرفان على نقل الغاز من حقول سيبيريا السوفياتية إلى أوروبا مع ظهور تقنيات نقل الغاز لمسافات طويلة، بدعم من خبراء أميركيين، وكانت أوروبا قبلها تملك شبكات غاز محلية صغيرة خاصة في بريطانيا وهولندا، واستغرق الأمر ما يقارب العقد مع التعقيدات الشيوعية في الاتحاد السوفياتي حتى بدأ الغاز السوفياتي في التدفق لأوروبا. في هذه المرحلة لم تمانع أوروبا الاجتياح السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 أي بعد بدء تدفق الغاز بفترة قصيرة لمحطة غاز النمسا.
المرحلة الثانية بدأت في السبعينات الميلادية، حين ذاقت أوروبا حلاوة الغاز الروسي؛ فكمياته كبيرة، وتكلفته منخفضة خصوصاً مع انتهاء الأعمال الإنشائية لخط الأنابيب، وهو كذلك صديق للبيئة بعكس الفحم. في هذه المرحلة بدأت أوروبا بالاعتماد بشكل كبير على الغاز الروسي دون أي محاولة منها لإيجاد بدائل. ولم تمانع أوروبا مواقف الاتحاد السوفياتي السياسية، فحين فرض الرئيس الأميركي (رونالد ريغن) عقوبات اقتصادية على الاتحاد السوفياتي عام 1981 بسبب تدخلها في بولندا، لم تفرض أوروبا عقوبات مثيلة، وطوّر الروس تقنيات لنقل الغاز بديلة عن تلك الأميركية وبدعم من دول أوروبية باعت لهم تقنيات أسهمت في هذا التطوير.
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1990 حتى وقتنا الحاضر، وهذه المرحلة شهدت تقلبات سياسية كبيرة، منها سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك دول مثل يوغوسلافيا وما صاحبه من أحداث، وضعف الموقف الروسي حتى تولي الرئيس بوتين الحكم عام 2000 وعودة هيبة الروس، خلال هذه المرحلة تدخلت روسيا سياسياً في جورجيا وسوريا واجتاحت شبه جزيرة القرم، ومع هذا كله استمر الغاز الروسي في التدفق إلى أوروبا، حتى حين فرضت أوروبا عقوبات على روسيا وردّت روسيا بعقوبات مثيلة، لم يكن الغاز ضمن هذه العقوبات، واقتصرت العقوبات على السلع العسكرية وبعض التقنيات المدنية والمنتجات الزراعية. صحيح أن التبادل التجاري بين روسيا ودول مثل ألمانيا تأثر كثيراً وانتقلت روسيا من كونها أحد أهم شركاء ألمانيا إلى المركز الرابع عشر، إلا أن الغاز لم يُمسّ حينها.
هذه ثلاث مراحل تاريخية، كان للاتحاد السوفياتي أو روسيا سلوك عسكري لا يتوافق مع التوجه الأوروبي، ولكن مع ذلك لم تتأثر الشراكة بين الطرفين في قطاع الغاز، كأن الغاز مسألة لا تناقَش ومصلحة فوق النزاعات السياسية. ولكن التهديدات الأخيرة من الطرفين لمحت إلى أن الغاز قد يُستخدم كسلاح في هذه النزاعات، لا سيما مع تقليل كمية الغاز المنقول إلى أوروبا خلال الأشهر الأخيرة بقرار من بوتين.
وأوروبا تستورد الغاز من دول مثل الجزائر (8% من استهلاكها) وقطر (5% من استهلاكها)، إلا أن الغاز الروسي يمثل استهلاك دول بأكملها مثل دول البلطيق وبلغاريا. وبدائلها لا تبدو في ازدياد، فالإنتاج الآسيوي للغاز يرتبط بعقود طويلة الأجل مع دول آسيوية، وآسيا نفسها تشكل نحو ثلاثة أرباع الطلب العالمي في الغاز، أي إن الغاز فيها لا يكاد يكفيها. أما الشرق الأوسط فاستهلاك الغاز يزيد فيه بنسبة 4.6% سنوياً، مما يعني أن الغاز المتاح للتصدير يقل بشكل تدريجي. وفي حقبة الرئيس الأميركي ترمب حاولت الولايات المتحدة عرض نفسها كبديل متاح للغاز الروسي، ووافق ترمب في 2019 على زيادة صادرات الغاز لأوروبا. وفي الأسبوع الماضي تعهدت كل من أوروبا والولايات المتحدة بإيجاد بدائل للغاز في أوروبا، وسوّقت فرنسا للطاقة النووية كبديل متاح للطاقة.
إن لروسيا اليد العليا في العلاقة بينها وبين أوروبا، فحاجة أوروبا إليها أكبر، وخلال سنوات طوال حاول الخبراء تحذير أوروبا من الاعتماد الكلي على الغاز الروسي، إلا أن محاولات التنويع لم تكن ذات جدوى اقتصادية بسبب انخفاض تكلفة الغاز الروسي، وكانت الحلول السياسية بتعزيز العلاقة مع الروس أكثر نفعاً. والآن ومع وضوح احتياج أوروبا إلى روسيا، لا يبدو أن للأولى القدرة على مواجهة روسيا سياسياً، لا سيما مع إعلان أوروبا عن زيادة الاعتماد على الغاز للعقد القادم على الأقل وتقليل الاعتماد على الفحم. ومع أن قطع تدفق الغاز من روسيا لا يبدو محتملاً، إلا أن خفض الكمية قد يسبب صدمة في الطاقة في أوروبا، أكبر بكثير مما حدث فيها خلال الأشهر الماضية.
لمعرفة طبيعة الشراكة الأوروبية - الروسية في الغاز، تنبغي العودة لبداية الستينات الميلادية، ويمكن النظر إلى هذه العلاقة على أنها مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى حين اتفق الطرفان على نقل الغاز من حقول سيبيريا السوفياتية إلى أوروبا مع ظهور تقنيات نقل الغاز لمسافات طويلة، بدعم من خبراء أميركيين، وكانت أوروبا قبلها تملك شبكات غاز محلية صغيرة خاصة في بريطانيا وهولندا، واستغرق الأمر ما يقارب العقد مع التعقيدات الشيوعية في الاتحاد السوفياتي حتى بدأ الغاز السوفياتي في التدفق لأوروبا. في هذه المرحلة لم تمانع أوروبا الاجتياح السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 أي بعد بدء تدفق الغاز بفترة قصيرة لمحطة غاز النمسا.
المرحلة الثانية بدأت في السبعينات الميلادية، حين ذاقت أوروبا حلاوة الغاز الروسي؛ فكمياته كبيرة، وتكلفته منخفضة خصوصاً مع انتهاء الأعمال الإنشائية لخط الأنابيب، وهو كذلك صديق للبيئة بعكس الفحم. في هذه المرحلة بدأت أوروبا بالاعتماد بشكل كبير على الغاز الروسي دون أي محاولة منها لإيجاد بدائل. ولم تمانع أوروبا مواقف الاتحاد السوفياتي السياسية، فحين فرض الرئيس الأميركي (رونالد ريغن) عقوبات اقتصادية على الاتحاد السوفياتي عام 1981 بسبب تدخلها في بولندا، لم تفرض أوروبا عقوبات مثيلة، وطوّر الروس تقنيات لنقل الغاز بديلة عن تلك الأميركية وبدعم من دول أوروبية باعت لهم تقنيات أسهمت في هذا التطوير.
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1990 حتى وقتنا الحاضر، وهذه المرحلة شهدت تقلبات سياسية كبيرة، منها سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك دول مثل يوغوسلافيا وما صاحبه من أحداث، وضعف الموقف الروسي حتى تولي الرئيس بوتين الحكم عام 2000 وعودة هيبة الروس، خلال هذه المرحلة تدخلت روسيا سياسياً في جورجيا وسوريا واجتاحت شبه جزيرة القرم، ومع هذا كله استمر الغاز الروسي في التدفق إلى أوروبا، حتى حين فرضت أوروبا عقوبات على روسيا وردّت روسيا بعقوبات مثيلة، لم يكن الغاز ضمن هذه العقوبات، واقتصرت العقوبات على السلع العسكرية وبعض التقنيات المدنية والمنتجات الزراعية. صحيح أن التبادل التجاري بين روسيا ودول مثل ألمانيا تأثر كثيراً وانتقلت روسيا من كونها أحد أهم شركاء ألمانيا إلى المركز الرابع عشر، إلا أن الغاز لم يُمسّ حينها.
هذه ثلاث مراحل تاريخية، كان للاتحاد السوفياتي أو روسيا سلوك عسكري لا يتوافق مع التوجه الأوروبي، ولكن مع ذلك لم تتأثر الشراكة بين الطرفين في قطاع الغاز، كأن الغاز مسألة لا تناقَش ومصلحة فوق النزاعات السياسية. ولكن التهديدات الأخيرة من الطرفين لمحت إلى أن الغاز قد يُستخدم كسلاح في هذه النزاعات، لا سيما مع تقليل كمية الغاز المنقول إلى أوروبا خلال الأشهر الأخيرة بقرار من بوتين.
وأوروبا تستورد الغاز من دول مثل الجزائر (8% من استهلاكها) وقطر (5% من استهلاكها)، إلا أن الغاز الروسي يمثل استهلاك دول بأكملها مثل دول البلطيق وبلغاريا. وبدائلها لا تبدو في ازدياد، فالإنتاج الآسيوي للغاز يرتبط بعقود طويلة الأجل مع دول آسيوية، وآسيا نفسها تشكل نحو ثلاثة أرباع الطلب العالمي في الغاز، أي إن الغاز فيها لا يكاد يكفيها. أما الشرق الأوسط فاستهلاك الغاز يزيد فيه بنسبة 4.6% سنوياً، مما يعني أن الغاز المتاح للتصدير يقل بشكل تدريجي. وفي حقبة الرئيس الأميركي ترمب حاولت الولايات المتحدة عرض نفسها كبديل متاح للغاز الروسي، ووافق ترمب في 2019 على زيادة صادرات الغاز لأوروبا. وفي الأسبوع الماضي تعهدت كل من أوروبا والولايات المتحدة بإيجاد بدائل للغاز في أوروبا، وسوّقت فرنسا للطاقة النووية كبديل متاح للطاقة.
إن لروسيا اليد العليا في العلاقة بينها وبين أوروبا، فحاجة أوروبا إليها أكبر، وخلال سنوات طوال حاول الخبراء تحذير أوروبا من الاعتماد الكلي على الغاز الروسي، إلا أن محاولات التنويع لم تكن ذات جدوى اقتصادية بسبب انخفاض تكلفة الغاز الروسي، وكانت الحلول السياسية بتعزيز العلاقة مع الروس أكثر نفعاً. والآن ومع وضوح احتياج أوروبا إلى روسيا، لا يبدو أن للأولى القدرة على مواجهة روسيا سياسياً، لا سيما مع إعلان أوروبا عن زيادة الاعتماد على الغاز للعقد القادم على الأقل وتقليل الاعتماد على الفحم. ومع أن قطع تدفق الغاز من روسيا لا يبدو محتملاً، إلا أن خفض الكمية قد يسبب صدمة في الطاقة في أوروبا، أكبر بكثير مما حدث فيها خلال الأشهر الماضية.