طالع نسبه
09-01-2022, 10:09 AM
يقول الله تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"وفيما ورد عن لسان الحبيب صلوات الله وسلامه عليه: "الذهب بالذهب ربًا إلا هاءَ وهاءَ، والفضة بالفضة ربًا إلا هاءَ وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء" ومعنى "إلا هاء وهاء" أي خذ وهات والمراد التقابض وعدم تأجيل أحد البدلين. وقال الحبيب ايضا في حديث الأصناف الستة: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد". وفي اللغة يشار الى الربا بمعنى الزيادة، حيث يقال ربا يربو: إذا ازداد وارتفع، وفي الشرع: الزيادة في أشياء مخصوصة.
ولعل مقام الربا كان من أشد المقامات وعيدا في التوجيهات الألهية حيث لم يذكر نص صريح يشير بحرب من الله عزوجل ورسوله صلوات الله وسلامه عليه الا لمتعاطي الربا كما ورد بخطبة حجة الوداع في النص الكريم: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ".
وبالعودة لحديث الأصناف الستة: الذهب، الفضة، البر، الشعير، التمر والملح.. وبمحاولة الخروج عن الاختلافات الفقهية حيال نظر الشارع الى هذه الاصناف للايجاز والاختصار نجد بأن الشارع قد لخص العلة أو العبرة في "الذهب والفضة" بالثمنية أي ان للذهب والفضة ثمن وقيمة و العبرة في الأصناف الأربعة الاخرى "البر والشعير والتمر والملح" هي الطعم مع الكيل أو الوزن، فكل مطعوم مكيل أو موزون فإنه يجري فيه الربا.
وقد اجتمع الفقهاء رغم اختلافهم في أن الأصناف المذكورة في الحديث جاءت للتنبيه على ما في معناها، ويجمعها كلها الاقتيات والادخار، فالبر، والشعير، لأنواع الحبوب. والتمر لأنواع الحلويات، كالسكر والعسل، والملح، لأنواع التوابل.. وأن العبرة أيضا في كون الشيء يكال أو يوزن أو يعد: ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد عنه : "الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة" أي أن المكيال الذي يعول فيه على معرفة الحقوق التي لله عز وجل -مثل: الزكاة والكفارات وغيرها- هو مكيال أهل المدينة، فقد جاء أن الزكاة تكون كذا صاع، والكفارة كذا صاع، والمعتبر هو مكيال أهل المدينة أما بالنسبة للوزن -مثل وزن الذهب والفضة- فالمعتبر هو وزن أهل مكة؛ لأن أهل مكة أهل تجارة، وقد غلب عليهم ذكر الوزن، وأهل المدينة أهل حرث وزراعة، وقد غلب عليهم ذكر الكيل... والناس إذا اعتبروا مقاييس وموازين وأحجاماً يكيلون بها ويزنون فالمعتبر في معاملاتهم هو ما تعارفوا عليه، ويرجع في ذلك إلى عرفهم..
ولعل ما يقوم مقام الذهب والفضة حاليا هي الأوراق النقدية او البنكنوت فالأوراق النقدية مرت بمراحل تاريخية، ففي البدايات لما تعسر على الناس الاحتفاظ بالنقود المعدنية "الذهب والفضة"، صاروا يودعونها عند الصاغة الصيارفة ويحصلون بمقابل ذلك على صكوك بودائعهم، ولما ازدادت ثقة الناس بهذه الصكوك وأصبح المودعون يتداولون صكوك الصيارفة بدلاً من المعادن النفيسة لما في حملها من مشقة وخطر، ثم راج استخدامها بين الناس، ويتضح أنها كانت في هذه المرحلة تمثل من الناحية الفقهية سندات بدين..
ثم لما كثر تداول هذه الصكوك في السوق، تطورت هذه الأوراق إلى صورة البنكنوت، فكانت البنوك تصدرها بغطاء كامل من الذهب، وتتعهد بدفع قيمتها من الذهب، ثم تدخلت الدول وتولت إصدارها بنفسها عن طريق البنوك المركزية، وألزمت كل دائن أن يقبلها في اقتضاء دينه، ومع ازدياد الحروب والأزمات الاقتصادية وحاجة الدول إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية، صار الغطاء الذهبي للأوراق النقدية ينقص شيئاً فشيئاً حتى تم الإعلان عن انفصال الأوراق النقدية عن الغطاء الذهبي في سنة1971م، وأصبحت الأوراق النقدية نقداً مستقلاً يمثل قوة شرائية إلزامية.
وقد استقر عند الفقهاء اليوم -ومنهم المجامع الفقهية ودور الفتوى الرسمية- أن الأوراق النقدية تعتبر نقداً مستقلاً تجري عليها أحكام النقود المعدنية من الربا والزكاة وغيرها؛ لأن الناس اليوم قد تعارفوا على اعتبار الأوراق النقدية نقوداً حقيقية أي ان قياس البنكنوت بالذهب والفضة كأداة قياس لا حرج منه نظرا لتعارف الناس عليه كأداة قياس ولو إن العقل والمنطق يرفض قياس الذهب والفضة بالبنكنوت كما أسلفنا في أحد المقالات السابقة.
وأيضا لأن الشرع حكم بجريان الربا في الذهب والفضة لأنهما أثمان الأشياء، أي: كانا هما العملة التي يتعامل بها الناس قديماً "الدراهم والدنانير" فكانت قيم الأشياء تقدر بالذهب والفضة، وقد حَلَّت هذه الأوراق النقدية محل الذهب والفضة في التداول، فوجب أن يكون لها حكم الذهب والفضة وإن الانتفاع يكون بالأعيان لا بالأثمان. ووظائف النقود الذهبية والفضية، أنها أثمان "وسيلة للتوصل إلى السلع والتبادل"، كما أنها قيمة لكل متمول "مقياس للقيمة"، ويمكن تخزينها وادخارها "مخزن للقيمة".
وأخيرا، ولعل الأزمات الاقتصادية التي نعيشها اليوم يرجع أهم أسبابها إلى التعامل بالربا وجعل النقود سلعة، فاضطربت قيمة النقد، وارتفعت الأسعار، وازداد التضخم، وازدادت معدلات الفقر والإفلاس، وتعثرت اقتصاديات الدول، وبالتالي فإن ما قيل عن عدم ربوية الأوراق النقدية يعتبر مخالف لفطرة الاقتصاد والمنطق الإنساني السليم.
المراجع:
1- القرأن الكريم، سورة البقرة 275، 278.
2- صحيح البخاري. صحيح مسلم، سنن أبي داود.
3- دائرة الإفتاء الأردنية.
4- إسلام اون لاين، دور الذهب والفضة.. كأثمان للأشياء وأصل المال في الفقه الإسلامي، مجدي مدني.
5- الألوكة، الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، فيصل آل مبارك.
ولعل مقام الربا كان من أشد المقامات وعيدا في التوجيهات الألهية حيث لم يذكر نص صريح يشير بحرب من الله عزوجل ورسوله صلوات الله وسلامه عليه الا لمتعاطي الربا كما ورد بخطبة حجة الوداع في النص الكريم: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ".
وبالعودة لحديث الأصناف الستة: الذهب، الفضة، البر، الشعير، التمر والملح.. وبمحاولة الخروج عن الاختلافات الفقهية حيال نظر الشارع الى هذه الاصناف للايجاز والاختصار نجد بأن الشارع قد لخص العلة أو العبرة في "الذهب والفضة" بالثمنية أي ان للذهب والفضة ثمن وقيمة و العبرة في الأصناف الأربعة الاخرى "البر والشعير والتمر والملح" هي الطعم مع الكيل أو الوزن، فكل مطعوم مكيل أو موزون فإنه يجري فيه الربا.
وقد اجتمع الفقهاء رغم اختلافهم في أن الأصناف المذكورة في الحديث جاءت للتنبيه على ما في معناها، ويجمعها كلها الاقتيات والادخار، فالبر، والشعير، لأنواع الحبوب. والتمر لأنواع الحلويات، كالسكر والعسل، والملح، لأنواع التوابل.. وأن العبرة أيضا في كون الشيء يكال أو يوزن أو يعد: ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد عنه : "الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة" أي أن المكيال الذي يعول فيه على معرفة الحقوق التي لله عز وجل -مثل: الزكاة والكفارات وغيرها- هو مكيال أهل المدينة، فقد جاء أن الزكاة تكون كذا صاع، والكفارة كذا صاع، والمعتبر هو مكيال أهل المدينة أما بالنسبة للوزن -مثل وزن الذهب والفضة- فالمعتبر هو وزن أهل مكة؛ لأن أهل مكة أهل تجارة، وقد غلب عليهم ذكر الوزن، وأهل المدينة أهل حرث وزراعة، وقد غلب عليهم ذكر الكيل... والناس إذا اعتبروا مقاييس وموازين وأحجاماً يكيلون بها ويزنون فالمعتبر في معاملاتهم هو ما تعارفوا عليه، ويرجع في ذلك إلى عرفهم..
ولعل ما يقوم مقام الذهب والفضة حاليا هي الأوراق النقدية او البنكنوت فالأوراق النقدية مرت بمراحل تاريخية، ففي البدايات لما تعسر على الناس الاحتفاظ بالنقود المعدنية "الذهب والفضة"، صاروا يودعونها عند الصاغة الصيارفة ويحصلون بمقابل ذلك على صكوك بودائعهم، ولما ازدادت ثقة الناس بهذه الصكوك وأصبح المودعون يتداولون صكوك الصيارفة بدلاً من المعادن النفيسة لما في حملها من مشقة وخطر، ثم راج استخدامها بين الناس، ويتضح أنها كانت في هذه المرحلة تمثل من الناحية الفقهية سندات بدين..
ثم لما كثر تداول هذه الصكوك في السوق، تطورت هذه الأوراق إلى صورة البنكنوت، فكانت البنوك تصدرها بغطاء كامل من الذهب، وتتعهد بدفع قيمتها من الذهب، ثم تدخلت الدول وتولت إصدارها بنفسها عن طريق البنوك المركزية، وألزمت كل دائن أن يقبلها في اقتضاء دينه، ومع ازدياد الحروب والأزمات الاقتصادية وحاجة الدول إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية، صار الغطاء الذهبي للأوراق النقدية ينقص شيئاً فشيئاً حتى تم الإعلان عن انفصال الأوراق النقدية عن الغطاء الذهبي في سنة1971م، وأصبحت الأوراق النقدية نقداً مستقلاً يمثل قوة شرائية إلزامية.
وقد استقر عند الفقهاء اليوم -ومنهم المجامع الفقهية ودور الفتوى الرسمية- أن الأوراق النقدية تعتبر نقداً مستقلاً تجري عليها أحكام النقود المعدنية من الربا والزكاة وغيرها؛ لأن الناس اليوم قد تعارفوا على اعتبار الأوراق النقدية نقوداً حقيقية أي ان قياس البنكنوت بالذهب والفضة كأداة قياس لا حرج منه نظرا لتعارف الناس عليه كأداة قياس ولو إن العقل والمنطق يرفض قياس الذهب والفضة بالبنكنوت كما أسلفنا في أحد المقالات السابقة.
وأيضا لأن الشرع حكم بجريان الربا في الذهب والفضة لأنهما أثمان الأشياء، أي: كانا هما العملة التي يتعامل بها الناس قديماً "الدراهم والدنانير" فكانت قيم الأشياء تقدر بالذهب والفضة، وقد حَلَّت هذه الأوراق النقدية محل الذهب والفضة في التداول، فوجب أن يكون لها حكم الذهب والفضة وإن الانتفاع يكون بالأعيان لا بالأثمان. ووظائف النقود الذهبية والفضية، أنها أثمان "وسيلة للتوصل إلى السلع والتبادل"، كما أنها قيمة لكل متمول "مقياس للقيمة"، ويمكن تخزينها وادخارها "مخزن للقيمة".
وأخيرا، ولعل الأزمات الاقتصادية التي نعيشها اليوم يرجع أهم أسبابها إلى التعامل بالربا وجعل النقود سلعة، فاضطربت قيمة النقد، وارتفعت الأسعار، وازداد التضخم، وازدادت معدلات الفقر والإفلاس، وتعثرت اقتصاديات الدول، وبالتالي فإن ما قيل عن عدم ربوية الأوراق النقدية يعتبر مخالف لفطرة الاقتصاد والمنطق الإنساني السليم.
المراجع:
1- القرأن الكريم، سورة البقرة 275، 278.
2- صحيح البخاري. صحيح مسلم، سنن أبي داود.
3- دائرة الإفتاء الأردنية.
4- إسلام اون لاين، دور الذهب والفضة.. كأثمان للأشياء وأصل المال في الفقه الإسلامي، مجدي مدني.
5- الألوكة، الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، فيصل آل مبارك.