فات ناج
27-11-2021, 04:12 PM
أي حرب تقرع طبولها بين الولايات المتحدة والصين؟
من فايننشال تايمز
في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) ذهب أستاذ جامعة هارفارد الموقر، جراهام أليسون، إلى مجلس الشيوخ في واشنطن ليلقي درسا في التاريخ اليوناني. كان الموضوع هو المؤرخ الأثيني ثيوسيديدس الذي، بالطبع، صاغ قصة الحرب بين أسبرطة وأثينا في القرن الخامس قبل الميلاد.
يستخدم هذا النوع من الصراع لإثارة طلاب الكلاسيكيات. لكن في 2017 كتب أليسون كتابا بعنوان "الحرب المقدرة، هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من فخ ثيوسيديدس؟". وبشكل مفاجئ أصبح هذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعا.
جادل أليسون - مثلما لاحظ ثيوسيديدس لأول مرة - أنه عندما تتحدى قوة منافسة سريعة الصعود قوة حاكمة، فإن ذلك يوقعهما في نمط يمكن أن يشعل الحرب بسهولة. كانت الديناميكية بين أسبرطة وأثينا مثالا على ذلك.
يتساءل أعضاء مجلس الشيوخ الآن عما إذا كان التاريخ على وشك أن يتكرر. هل سيساعد قرع طبول الحرب حول تايوان أو ما تم الكشف عنه أخيرا في "فاينانشيال تايمز" بشأن تجارب الصواريخ الصينية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على نصب "الفخ" مرة أخرى؟
رسالة أليسون مشجعة ومحبطة في آن معا. لنبدأ بالإحباط أولا، جوهر الشيء الذي يجب فهمه من التاريخ، حسبما أوضح لي "ولأعضاء مجلس الشيوخ"، هو أن تحولات القوة توجد مشكلات حول ثلاثة عناصر، الإدراك، وعلم النفس، والسياسة "المحلية". بالأخص، تميل القوة الحاكمة التي تبدأ في الشعور بعدم الأمان تجاه منافستها إلى المبالغة في رد الفعل وسوء التقدير.
كذلك أيضا عندما تشعر القوة الصاعدة بالتجاهل. إذا اقترن هذا بالسياسات الداخلية المحمومة، يمكن لحالات التفاقم الصغيرة أن تخرج عن نطاق السيطرة. مثلا، عندما اغتيل الأرشيدوق فرانز فرديناند في 1914 في سراييفو، اشتعل فتيل الحرب العالمية الأولى.
هذه "****اصر الثلاثة" ظاهرة للعيان في الوقت الحالي، ولا يزال انعدام الأمن والعداء وسوء الفهم يستمر في الظهور. يقول أليسون، "عندما تهدد قوة صاعدة سريعا بشكل خطير بإزاحة قوة حالية، يكون لديك ديناميكية يمكن التنبؤ بها. إذا نظرت إلى الصين والولايات المتحدة كقوة صاعدة وأخرى حاكمة، يبدو أنهما تبذلان قصارى جهدهما للإبقاء على هذا السيناريو".
لحسن الحظ تم تجنب الأعمال العدائية الصريحة حتى الآن، لكن هذا لا يعني أن الحرب ليست خطرا حقيقيا. يلاحظ راي داليو، نجم صناديق التحوط الساطع، أن السمة اللافتة للنظر لعالم القرن الـ21 هي أن الصراعات يمكن أن تندلع على جبهات كثيرة.
أخبرني داليو أخيرا أن "هناك خمسة أنواع من الحروب، ليست جميعها حروب إطلاق نار. هناك حرب تجارية، وحرب تكنولوجية، وحرب جيوسياسية، وحرب رأسمالية وقد تكون هناك حرب عسكرية. نحن بالتأكيد في درجات متفاوتة في الأربعة الأولى منها (...) وهناك سبب وجيه للقلق بشأن النوع الخامس".
من ناحية أخرى، حقيقة أن الحرب يمكن خوضها بطرق كثيرة في القرن الـ21 قد تقلل من الحاجة إلى صراع عسكري حقيقي. لكن ليس في هذا عزاء للطرف المتلقي. إذا كانت الصين تريد تهديد تايوان، فلن تحتاج بالضرورة إلى فعل ذلك بالدبابات أو القنابل. يمكن أن تستخدم الهجمات الإلكترونية، أو غيرها من الأسلحة المالية والتجارية.
هذا يحدث بالفعل في الصراع بين الولايات المتحدة والصين. أخبرني أحد أعضاء مجلس الشيوخ أخيرا أن الصين تسرق ما قيمته 300 ـ 500 مليار دولار من الملكية الفكرية من الولايات المتحدة كل عام. وفي حين من المستحيل على الأطراف الخارجية التحقق من هذا الرقم، إلا أن حقيقة أن مثل هذه الأرقام يتم التلاعب بها تشير إلى أن الحرب الإلكترونية تشن بالفعل - في كلا الاتجاهين.
على نحو مشابه، ظهرت في واشنطن هذا الأسبوع تلميحات جديدة عن حرب رأسمالية بعد تقرير من لجنة من الحزبين إلى الكونجرس جادلت فيه بأن الصين تستخدم تدفقات رأس المال لمهاجمة أمريكا. هذا أمر مقلق أيضا، ولا سيما لقادة وول ستريت، مثل جيمي ديمون أو لاري فينك، الذين يرغبون في القيام بأعمال تجارية هناك، وأولئك الذين يأملون في أن يؤدي تكامل رأس المال إلى تقليل فرصة الصراع. لكن التهديد بحرب رأسمالية أو حرب تجارية، لا يزال أقل رعبا من التهديد العسكري.
بالطبع، قد يرد بعضهم، مثل داليو، بأن التهديد الأول قد يؤدي إلى الثاني. لكن هناك سببا آخر لقدر ضئيل من التفاؤل في تفاصيل مجموعة البيانات التاريخية لأليسون، التي تم وضعها بدقة عبر الإنترنت على موقع يديره مركز بيلفر التابع لجامعة هارفارد. يسرد هذا جميع الصراعات، على غرار ثيوسيديدس، في القرون الماضية ويظهر أنه بينما 12 من أصل 16 مثل هذه التحولات الجيوسياسية انتهت إلى حروب صريحة، إلا أن أربعة منها لم تفض إلى النتيجة نفسها.
السؤال هو، هل كانت الأربعة مصادفة؟ أو علامة على أن البشر أصبحوا أكثر حكمة؟ هل يمكن أن تعني روابط العولمة التي تربطنا ببعضنا بعضا، مثل الإنترنت أو تدفقات رأس المال، أن فخ ثيوسيديديس ليس ذا صلة في العصر الرقمي؟
نحن لا نعرف "حتى الآن". مع ذلك، لدى أليسون حقيقة أخيرة مشجعة يطلعنها عليها، منذ نشر كتابه لم يصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة فحسب، بل حظيت النسخة المترجمة منه بشعبية كبيرة في الصين أيضا. قال بضحكة خافتة، "لم أتوقع ذلك أبدا"، موضحا أن الفقرة الأكثر شيوعا لدى القراء الصينيين هي وصفه لكيفية تجنب بريطانيا والولايات المتحدة لحظة ثيوسيديدس في أوائل القرن الـ20 وعدم الدخول في حرب. حتى الفخ يمكن في بعض الأحيان الهروب منه.
https://www.aleqt.com/2021/11/26/article_2217586.html
من فايننشال تايمز
في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) ذهب أستاذ جامعة هارفارد الموقر، جراهام أليسون، إلى مجلس الشيوخ في واشنطن ليلقي درسا في التاريخ اليوناني. كان الموضوع هو المؤرخ الأثيني ثيوسيديدس الذي، بالطبع، صاغ قصة الحرب بين أسبرطة وأثينا في القرن الخامس قبل الميلاد.
يستخدم هذا النوع من الصراع لإثارة طلاب الكلاسيكيات. لكن في 2017 كتب أليسون كتابا بعنوان "الحرب المقدرة، هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من فخ ثيوسيديدس؟". وبشكل مفاجئ أصبح هذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعا.
جادل أليسون - مثلما لاحظ ثيوسيديدس لأول مرة - أنه عندما تتحدى قوة منافسة سريعة الصعود قوة حاكمة، فإن ذلك يوقعهما في نمط يمكن أن يشعل الحرب بسهولة. كانت الديناميكية بين أسبرطة وأثينا مثالا على ذلك.
يتساءل أعضاء مجلس الشيوخ الآن عما إذا كان التاريخ على وشك أن يتكرر. هل سيساعد قرع طبول الحرب حول تايوان أو ما تم الكشف عنه أخيرا في "فاينانشيال تايمز" بشأن تجارب الصواريخ الصينية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على نصب "الفخ" مرة أخرى؟
رسالة أليسون مشجعة ومحبطة في آن معا. لنبدأ بالإحباط أولا، جوهر الشيء الذي يجب فهمه من التاريخ، حسبما أوضح لي "ولأعضاء مجلس الشيوخ"، هو أن تحولات القوة توجد مشكلات حول ثلاثة عناصر، الإدراك، وعلم النفس، والسياسة "المحلية". بالأخص، تميل القوة الحاكمة التي تبدأ في الشعور بعدم الأمان تجاه منافستها إلى المبالغة في رد الفعل وسوء التقدير.
كذلك أيضا عندما تشعر القوة الصاعدة بالتجاهل. إذا اقترن هذا بالسياسات الداخلية المحمومة، يمكن لحالات التفاقم الصغيرة أن تخرج عن نطاق السيطرة. مثلا، عندما اغتيل الأرشيدوق فرانز فرديناند في 1914 في سراييفو، اشتعل فتيل الحرب العالمية الأولى.
هذه "****اصر الثلاثة" ظاهرة للعيان في الوقت الحالي، ولا يزال انعدام الأمن والعداء وسوء الفهم يستمر في الظهور. يقول أليسون، "عندما تهدد قوة صاعدة سريعا بشكل خطير بإزاحة قوة حالية، يكون لديك ديناميكية يمكن التنبؤ بها. إذا نظرت إلى الصين والولايات المتحدة كقوة صاعدة وأخرى حاكمة، يبدو أنهما تبذلان قصارى جهدهما للإبقاء على هذا السيناريو".
لحسن الحظ تم تجنب الأعمال العدائية الصريحة حتى الآن، لكن هذا لا يعني أن الحرب ليست خطرا حقيقيا. يلاحظ راي داليو، نجم صناديق التحوط الساطع، أن السمة اللافتة للنظر لعالم القرن الـ21 هي أن الصراعات يمكن أن تندلع على جبهات كثيرة.
أخبرني داليو أخيرا أن "هناك خمسة أنواع من الحروب، ليست جميعها حروب إطلاق نار. هناك حرب تجارية، وحرب تكنولوجية، وحرب جيوسياسية، وحرب رأسمالية وقد تكون هناك حرب عسكرية. نحن بالتأكيد في درجات متفاوتة في الأربعة الأولى منها (...) وهناك سبب وجيه للقلق بشأن النوع الخامس".
من ناحية أخرى، حقيقة أن الحرب يمكن خوضها بطرق كثيرة في القرن الـ21 قد تقلل من الحاجة إلى صراع عسكري حقيقي. لكن ليس في هذا عزاء للطرف المتلقي. إذا كانت الصين تريد تهديد تايوان، فلن تحتاج بالضرورة إلى فعل ذلك بالدبابات أو القنابل. يمكن أن تستخدم الهجمات الإلكترونية، أو غيرها من الأسلحة المالية والتجارية.
هذا يحدث بالفعل في الصراع بين الولايات المتحدة والصين. أخبرني أحد أعضاء مجلس الشيوخ أخيرا أن الصين تسرق ما قيمته 300 ـ 500 مليار دولار من الملكية الفكرية من الولايات المتحدة كل عام. وفي حين من المستحيل على الأطراف الخارجية التحقق من هذا الرقم، إلا أن حقيقة أن مثل هذه الأرقام يتم التلاعب بها تشير إلى أن الحرب الإلكترونية تشن بالفعل - في كلا الاتجاهين.
على نحو مشابه، ظهرت في واشنطن هذا الأسبوع تلميحات جديدة عن حرب رأسمالية بعد تقرير من لجنة من الحزبين إلى الكونجرس جادلت فيه بأن الصين تستخدم تدفقات رأس المال لمهاجمة أمريكا. هذا أمر مقلق أيضا، ولا سيما لقادة وول ستريت، مثل جيمي ديمون أو لاري فينك، الذين يرغبون في القيام بأعمال تجارية هناك، وأولئك الذين يأملون في أن يؤدي تكامل رأس المال إلى تقليل فرصة الصراع. لكن التهديد بحرب رأسمالية أو حرب تجارية، لا يزال أقل رعبا من التهديد العسكري.
بالطبع، قد يرد بعضهم، مثل داليو، بأن التهديد الأول قد يؤدي إلى الثاني. لكن هناك سببا آخر لقدر ضئيل من التفاؤل في تفاصيل مجموعة البيانات التاريخية لأليسون، التي تم وضعها بدقة عبر الإنترنت على موقع يديره مركز بيلفر التابع لجامعة هارفارد. يسرد هذا جميع الصراعات، على غرار ثيوسيديدس، في القرون الماضية ويظهر أنه بينما 12 من أصل 16 مثل هذه التحولات الجيوسياسية انتهت إلى حروب صريحة، إلا أن أربعة منها لم تفض إلى النتيجة نفسها.
السؤال هو، هل كانت الأربعة مصادفة؟ أو علامة على أن البشر أصبحوا أكثر حكمة؟ هل يمكن أن تعني روابط العولمة التي تربطنا ببعضنا بعضا، مثل الإنترنت أو تدفقات رأس المال، أن فخ ثيوسيديديس ليس ذا صلة في العصر الرقمي؟
نحن لا نعرف "حتى الآن". مع ذلك، لدى أليسون حقيقة أخيرة مشجعة يطلعنها عليها، منذ نشر كتابه لم يصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة فحسب، بل حظيت النسخة المترجمة منه بشعبية كبيرة في الصين أيضا. قال بضحكة خافتة، "لم أتوقع ذلك أبدا"، موضحا أن الفقرة الأكثر شيوعا لدى القراء الصينيين هي وصفه لكيفية تجنب بريطانيا والولايات المتحدة لحظة ثيوسيديدس في أوائل القرن الـ20 وعدم الدخول في حرب. حتى الفخ يمكن في بعض الأحيان الهروب منه.
https://www.aleqt.com/2021/11/26/article_2217586.html