وحـي القلم
14-10-2020, 09:57 PM
الفجوة المدمرة.. كيف يمكن لاستراتيجية رائعة أن تقضي على شركة ناجحة؟
http://www.dzairmobile.com/ar/wp-content/uploads/Nokia-apple.jpg
ملاحظة: المقال ممتع ومشوق وفيه قصة عن شركة أبل ونوكيا وزيروكس, لكن المقال طويل , لذلك يستحسن قراءته مع كوب قهوة وأنت رايق:126::126:
قبل 5 سنوات من إطلاق "آبل" الأمريكية لجوالها الشهير "آيفون" كان لدى "نوكيا" الفنلندية – المسيطرة على سوق الجوالات العالمي في ذلك الوقت – خطة لإطلاق جوال بشاشة كبيرة تعمل باللمس ومتصل بالإنترنت. كانت الشركة الفنلندية تعرف إلى أين يتجه السوق، وكان لديها بالفعل استراتيجية للسيطرة على مستقبله، ومع ذلك فشلت فشلًا ذريعًا في الحفاظ على مكانتها وخرجت نهائيًا من السوق.
ثم جاءت "آبل" في العام 2007 وأطلقت جهاز الـ"آيفون" بمواصفاته المعروفة والتي ساهمت في تغيير وجه صناعة الجوالات العالمية إلى الأبد، لتأخذ الشركة الأمريكية بناصية السوق في لمح البصر من "نوكيا" التي كانت تسيطر وحدها في وقت من الأوقات على أكثر من نصف سوق الجوالات العالمي، قبل أن تبيع أعمالها في مجال تصنيع الجوالات لصالح "مايكروسوفت" في عام 2013.
يف حدث ذلك رغم أن "نوكيا" كان لديها بالفعل منذ عام 2002 استراتيجية للتعامل مع مستقبل السوق الذي لم يكن قد تشكّل بعد؟ حدث هذا ببساطة بسبب ما يسميه خبراء الإدارة "الفجوة بين الاستراتيجية والتنفيذ"، هذه الفجوة هي بمثابة ثقب أسود كبير يبتلع الكثير من الخطط الاستراتيجية.
وهذه في الحقيقة قصة شديدة التكرار في عالم الأعمال التجارية بشكل عام، ففي البداية تقوم الشركة بإنفاق الكثير من الوقت والمال والمجهود لدراسة السوق، وبعد أن تجري أبحاثًا ممتازة، تستخدم البيانات التي تم التوصل إليها في صياغة استراتيجية رائعة تعجب الجميع ويتحمس لها مجلس الإدارة.
لكن بمجرد البدء في تنفيذ الاستراتيجية، تبدأ الأمور في الانحدار نحو الأسوأ، فلا شيء يسير كما هو متوقع ولا تؤثر الاستراتيجية إيجابيًا على مؤشرات الأداء الرئيسية للشركة، بل إنها قد تتسبب في تدهورها، ومن هنا تظهر أهمية التنفيذ، فضعف التنفيذ قادر على إفشال أفضل الخطط والإستراتيجيات.
مدير جديد .. استراتيجية جديدة
https://argaamplus.s3.amazonaws.com/8e328a9a-5d25-49c6-ae01-85bd72f3a8d8.png
في عام 1997، قام مجلس إدارة شركة التقنية الأمريكية "زيروكس" بتعيين المدير المالي لشركة البرمجيات "آي بي إم" "ريتشارد ثومان" في منصب المدير التنفيذي للعمليات بالشركة خلفًا لـ"باول ألير"، وهو الخبر الذي استقبله السوق بحماس شديد ساهم في ارتفاع السهم بما يقرب من 3% في يوم الإعلان عن خبر توليه للمنصب.
بعد فترة قصيرة من قدومه إلى "زيروكس" كمدير تنفيذي لعملياتها أطلق "ثومان" العديد من المبادرات الهادفة لخفض التكاليف، شملت تسريح بعض العمال وخفض المكافآت الموزعة، فضلًا عن تضييق نطاق الامتيازات التي يحصل عليها صغار المديرين.
وفي الوقت ذاته وضع حجر الأساس لاستراتيجية عمد إلى تنفيذها بمجرد أن عينه مجلس الإدارة مديرًا تنفيذيًا للشركة بعد نحو عامين من قدومه وتحديدًا في أبريل من عام 1999، كانت الاستراتيجية تهدف إلى تحويل "زيروكس" من شركة منتجات وخدمات إلى مزود حلول، حيث إنها تمتلك بالفعل الأجهزة والبرامج والخدمات القادرة على مساعدة العملاء على إدارة مستنداتهم الورقية وبياناتهم الإلكترونية.
للوهلة الأولى بدت استراتيجية "ثومان" كخطة واعدة قادرة على تحويل مسار الشركة ودفعها إلى الأمام، وفي الاجتماع السنوي للمساهمين في عام 1999 أخبر "ثومان" المساهمين بأن الشركة تقف على أعتاب مرحلة جديدة من النجاح الكبير، وتوقع ارتفاع إيرادات الشركة بنسب تتراوح ما بين 15 و17%.
خرج المساهمون من الاجتماع متفائلين، وهو ما ساهم في ارتفاع سعر السهم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، ولكن لسوء حظهم كانت استراتيجية "ثومان" منفصلة عن الواقع إلى حد كبير، وما زاد الأمور سوءًا هو أنه كان هناك فشل كبير في تنفيذها بشكل صحيح.
فوضى في كل مكان
في إطار الاستراتيجية الموضوعة، قام "ثومان" بإطلاق مبادرتين تهدفان إلى إعادة تنظيم أعمال الشركة، غير أنهما سرعان ما تسببتا في إلحاق الضرر بالشركة وبثروة المساهمين.
كانت المبادرة الأولى تهدف إلى توحيد المراكز الإدارية الـ90 التابعة للشركة والتي تدير أعمال المحاسبة والفواتير وخدمة العملاء والمكالمات ودمجها في 4 مراكز إدارية فقط، أما المبادرة الثانية فكانت معنية بإعادة تنظيم مندوبي المبيعات التابعين لـ"زيروكس" والبالغ عددهم نحو 30 ألفًا من خلال تحويل نصفهم من قسم بيع الأجهزة إلى قسم تقديم الحلول والاستشارات المستحدث.
نظريًا أو على الورق، تعد كلتا المبادرتين ضروريتين ومهمتين، فمن شأن الدمج الإداري للمراكز المتفرقة أن يخفض من التكاليف ويحسن من الكفاءة، كما أن إعادة تنظيم فريق المبيعات سيمهد الطريق أمام تركيز الشركة على خدمة جديدة وهي تقديم الحلول والاستشارات للعملاء بدلًا من تزويدهم فقط بالأجهزة.
بحلول نهاية عام 1999، وجدت "زيروكس" نفسها في حالة من الفوضى، ففي خضم المرحلة الانتقالية من الاستراتيجية القديمة إلى نظيرتها الجديدة تراجعت مبيعات الأجهزة وساءت أحوال الموظفين وتدهورت خدمة العملاء، وكان على مندوبي المبيعات قضاء معظم وقتهم في تسوية هذه الفوضى.
إقالة
وجد الكل نفسه فجأة مضطرًا للتكيف مع استراتيجية جديدة تقلب أمور الشركة رأسًا على عقب، فعلى سبيل المثال، كان على مسؤولي المبيعات محاولة بناء علاقات جديدة مع العملاء في الأقسام التي تم تحويلهم إليها وهي ذات الأقسام التي تركها المختصون بها إلى أقسام أخرى، تسببت هذه الفوضى في خسارة الشركة لأعداد كبيرة من عملائها.
تأثرت الروح المعنوية للموظفين سلبًا وهو ما انعكس على كفاءتهم وأدائهم، وفي الوقت نفسه تحولت التدفقات النقدية التشغيلية للشركة إلى المنطقة السالبة، وبدأ المستثمرون يتشككون في مستقبل الشركة في ظل الفوضى التي تسبب فيها التنفيذ السيئ للاستراتيجية الجديدة.
انهار سعر السهم ليتراجع من 64 دولارًا إلى نحو الـ7 دولارات فقط، واضطرت الشركة لبيع جزء من أصولها من أجل سداد التزاماتها المالية، وعلى إثر هذه التطورات المتلاحقة استدعى رئيس مجلس إدارة "زيروكس" في 12 مايو 2000 "ثومان" إلى مكتبه ليخبره بقرار إقالته من منصبه.
المصادر: أرقام – نيويورك تايمز
http://www.dzairmobile.com/ar/wp-content/uploads/Nokia-apple.jpg
ملاحظة: المقال ممتع ومشوق وفيه قصة عن شركة أبل ونوكيا وزيروكس, لكن المقال طويل , لذلك يستحسن قراءته مع كوب قهوة وأنت رايق:126::126:
قبل 5 سنوات من إطلاق "آبل" الأمريكية لجوالها الشهير "آيفون" كان لدى "نوكيا" الفنلندية – المسيطرة على سوق الجوالات العالمي في ذلك الوقت – خطة لإطلاق جوال بشاشة كبيرة تعمل باللمس ومتصل بالإنترنت. كانت الشركة الفنلندية تعرف إلى أين يتجه السوق، وكان لديها بالفعل استراتيجية للسيطرة على مستقبله، ومع ذلك فشلت فشلًا ذريعًا في الحفاظ على مكانتها وخرجت نهائيًا من السوق.
ثم جاءت "آبل" في العام 2007 وأطلقت جهاز الـ"آيفون" بمواصفاته المعروفة والتي ساهمت في تغيير وجه صناعة الجوالات العالمية إلى الأبد، لتأخذ الشركة الأمريكية بناصية السوق في لمح البصر من "نوكيا" التي كانت تسيطر وحدها في وقت من الأوقات على أكثر من نصف سوق الجوالات العالمي، قبل أن تبيع أعمالها في مجال تصنيع الجوالات لصالح "مايكروسوفت" في عام 2013.
يف حدث ذلك رغم أن "نوكيا" كان لديها بالفعل منذ عام 2002 استراتيجية للتعامل مع مستقبل السوق الذي لم يكن قد تشكّل بعد؟ حدث هذا ببساطة بسبب ما يسميه خبراء الإدارة "الفجوة بين الاستراتيجية والتنفيذ"، هذه الفجوة هي بمثابة ثقب أسود كبير يبتلع الكثير من الخطط الاستراتيجية.
وهذه في الحقيقة قصة شديدة التكرار في عالم الأعمال التجارية بشكل عام، ففي البداية تقوم الشركة بإنفاق الكثير من الوقت والمال والمجهود لدراسة السوق، وبعد أن تجري أبحاثًا ممتازة، تستخدم البيانات التي تم التوصل إليها في صياغة استراتيجية رائعة تعجب الجميع ويتحمس لها مجلس الإدارة.
لكن بمجرد البدء في تنفيذ الاستراتيجية، تبدأ الأمور في الانحدار نحو الأسوأ، فلا شيء يسير كما هو متوقع ولا تؤثر الاستراتيجية إيجابيًا على مؤشرات الأداء الرئيسية للشركة، بل إنها قد تتسبب في تدهورها، ومن هنا تظهر أهمية التنفيذ، فضعف التنفيذ قادر على إفشال أفضل الخطط والإستراتيجيات.
مدير جديد .. استراتيجية جديدة
https://argaamplus.s3.amazonaws.com/8e328a9a-5d25-49c6-ae01-85bd72f3a8d8.png
في عام 1997، قام مجلس إدارة شركة التقنية الأمريكية "زيروكس" بتعيين المدير المالي لشركة البرمجيات "آي بي إم" "ريتشارد ثومان" في منصب المدير التنفيذي للعمليات بالشركة خلفًا لـ"باول ألير"، وهو الخبر الذي استقبله السوق بحماس شديد ساهم في ارتفاع السهم بما يقرب من 3% في يوم الإعلان عن خبر توليه للمنصب.
بعد فترة قصيرة من قدومه إلى "زيروكس" كمدير تنفيذي لعملياتها أطلق "ثومان" العديد من المبادرات الهادفة لخفض التكاليف، شملت تسريح بعض العمال وخفض المكافآت الموزعة، فضلًا عن تضييق نطاق الامتيازات التي يحصل عليها صغار المديرين.
وفي الوقت ذاته وضع حجر الأساس لاستراتيجية عمد إلى تنفيذها بمجرد أن عينه مجلس الإدارة مديرًا تنفيذيًا للشركة بعد نحو عامين من قدومه وتحديدًا في أبريل من عام 1999، كانت الاستراتيجية تهدف إلى تحويل "زيروكس" من شركة منتجات وخدمات إلى مزود حلول، حيث إنها تمتلك بالفعل الأجهزة والبرامج والخدمات القادرة على مساعدة العملاء على إدارة مستنداتهم الورقية وبياناتهم الإلكترونية.
للوهلة الأولى بدت استراتيجية "ثومان" كخطة واعدة قادرة على تحويل مسار الشركة ودفعها إلى الأمام، وفي الاجتماع السنوي للمساهمين في عام 1999 أخبر "ثومان" المساهمين بأن الشركة تقف على أعتاب مرحلة جديدة من النجاح الكبير، وتوقع ارتفاع إيرادات الشركة بنسب تتراوح ما بين 15 و17%.
خرج المساهمون من الاجتماع متفائلين، وهو ما ساهم في ارتفاع سعر السهم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، ولكن لسوء حظهم كانت استراتيجية "ثومان" منفصلة عن الواقع إلى حد كبير، وما زاد الأمور سوءًا هو أنه كان هناك فشل كبير في تنفيذها بشكل صحيح.
فوضى في كل مكان
في إطار الاستراتيجية الموضوعة، قام "ثومان" بإطلاق مبادرتين تهدفان إلى إعادة تنظيم أعمال الشركة، غير أنهما سرعان ما تسببتا في إلحاق الضرر بالشركة وبثروة المساهمين.
كانت المبادرة الأولى تهدف إلى توحيد المراكز الإدارية الـ90 التابعة للشركة والتي تدير أعمال المحاسبة والفواتير وخدمة العملاء والمكالمات ودمجها في 4 مراكز إدارية فقط، أما المبادرة الثانية فكانت معنية بإعادة تنظيم مندوبي المبيعات التابعين لـ"زيروكس" والبالغ عددهم نحو 30 ألفًا من خلال تحويل نصفهم من قسم بيع الأجهزة إلى قسم تقديم الحلول والاستشارات المستحدث.
نظريًا أو على الورق، تعد كلتا المبادرتين ضروريتين ومهمتين، فمن شأن الدمج الإداري للمراكز المتفرقة أن يخفض من التكاليف ويحسن من الكفاءة، كما أن إعادة تنظيم فريق المبيعات سيمهد الطريق أمام تركيز الشركة على خدمة جديدة وهي تقديم الحلول والاستشارات للعملاء بدلًا من تزويدهم فقط بالأجهزة.
بحلول نهاية عام 1999، وجدت "زيروكس" نفسها في حالة من الفوضى، ففي خضم المرحلة الانتقالية من الاستراتيجية القديمة إلى نظيرتها الجديدة تراجعت مبيعات الأجهزة وساءت أحوال الموظفين وتدهورت خدمة العملاء، وكان على مندوبي المبيعات قضاء معظم وقتهم في تسوية هذه الفوضى.
إقالة
وجد الكل نفسه فجأة مضطرًا للتكيف مع استراتيجية جديدة تقلب أمور الشركة رأسًا على عقب، فعلى سبيل المثال، كان على مسؤولي المبيعات محاولة بناء علاقات جديدة مع العملاء في الأقسام التي تم تحويلهم إليها وهي ذات الأقسام التي تركها المختصون بها إلى أقسام أخرى، تسببت هذه الفوضى في خسارة الشركة لأعداد كبيرة من عملائها.
تأثرت الروح المعنوية للموظفين سلبًا وهو ما انعكس على كفاءتهم وأدائهم، وفي الوقت نفسه تحولت التدفقات النقدية التشغيلية للشركة إلى المنطقة السالبة، وبدأ المستثمرون يتشككون في مستقبل الشركة في ظل الفوضى التي تسبب فيها التنفيذ السيئ للاستراتيجية الجديدة.
انهار سعر السهم ليتراجع من 64 دولارًا إلى نحو الـ7 دولارات فقط، واضطرت الشركة لبيع جزء من أصولها من أجل سداد التزاماتها المالية، وعلى إثر هذه التطورات المتلاحقة استدعى رئيس مجلس إدارة "زيروكس" في 12 مايو 2000 "ثومان" إلى مكتبه ليخبره بقرار إقالته من منصبه.
المصادر: أرقام – نيويورك تايمز