7) قال الله سبحانه عن الظالمين: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]، ففي هذه الآية أن الظالِمين في سكرات الموت تَقبِضُ الملائكة أرواحَهم وتضربهم، قال المفسرون: معنى ﴿ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ﴾ [الأنعام: 93]؛ أي: بالضرب والعذاب، وهذا العذاب في البرزخ وليس في الآخرة، وتقول لهم ملائكة الموت: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾ [الأنعام: 93]، وهذا دليل واضح على إثبات عذاب القبر.

8) قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴾ [الواقعة: 83 - 94]، في هذه الآيات إثباتُ نعيم القبر وعذابه، فالفاء تدل على التعقيب المباشر بعد قبض الروح، فالمؤمن - الذي هو مِن المقرَّبين - يكون له مباشرة بعد قبض روحه راحةٌ وريحانٌ وجنة نعيم، والمكذِّب الضال يكون له مباشرة بعد قبض روحه ضيافةٌ من عذاب الحميم، ويصلى نارًا في البرزخ قبل يوم القيامة.

9) قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 154]، هذه الآية تثبت النعيم في البرزخ للشهداء، وأخبرنا اللهُ تعالى أننا لا نشعر بنعيمهم حين نراهم قتلى، وقد تكون أجسادهم ممزَّقة، وقد تأكل أجسادَهم السِّباعُ، وتفنى أبدانُهم في الأرض، ومع ذلك أثبت الله لهم نعيم القبر، وأخبرنا أن لهم حياةً غير حياتهم في الدنيا، وإن كنا لا نشعر بذلك، وكذلك مَن يعذبهم الله تعالى في البرزخ لا نشعر بعذابهم.

10) قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [محمد: 4 - 6]، أخبرنا الله أن الشهداء سيُصلِح حالَهم بعد موتهم ويُدخِلهم الجنة، فيُفهَم من هذه الآية أن مِن الناس مَن لا يصلح اللهُ حالهم في البرزخ بعد موتهم، ومَن لم يُصلِح الله حاله بعد موته، فهو في حالٍ سيئةٍ في قبره، والعياذ بالله.

11) قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 169 - 171]، هذه الآيات تثبت أن الشهداء أحياءٌ عند ربهم يُرزقون وهم في البرزخ، وأنهم فرِحون بما آتاهم الله من فضله، وأن لهم عقولًا يتذكَّرون بها مَن خلفهم، فمن كان يُصدِّق بنعيم القبر فيلزمه أن يُصدِّق بعذاب القبر، فالله الذي يُنعِّم المؤمنين الشهداءَ وهم في قبورهم، قادرٌ على أن يعذِّب الكافرين وهم في قبورهم، والله على كل شيء قدير، ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

12) قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [الحج: 58، 59]، هاتان الآيتان تُثبتانِ أن مَن قُتل في سبيل الله أو مات مِن أهل الإيمان من غيرِ قتلٍ، أن الله يرزقه في البرزخ رزقًا حسنًا، ويُدخله في الآخرة مدخلًا يرضاه ولا يريد سواه، وهو الجنة، فقد ذكر الله في هاتين الآيتين نعيم البرزخ ونعيم الجنة، وذكر أن هذا النعيم لا يكون للشهداء فقط، الذين يُقتلون في سبيل الله، بل يكون هذا النعيم أيضًا لِمَن مات في سبيل الله وإن لم يكن من الشهداء، ﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].