الاستثمار في عقود النفط .. لماذا يعد خيارًا سيئاً؟ وكيف يختلف الاستثمار بسوق الأسهم؟


في العشرين من أبريل الماضي، انهارت أسعار النفط وتحديدًا الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ، وهو ما أثار دهشة الكثير من المستثمرين والعامة على حد سواء، وأصبح السؤال الشاغل للجميع: كيف يعقل أن يصبح سعر المادة الخام الأهم في العالم سالبًا؟



إذا أردت الإجابة عن هذا السؤال باختصار، فيجب أن الإشارة أولًا إلى أن ما هبط إلى ما دون الصفر هو سعر العقود الآجلة للنفط وليس النفط ذاته كخام وهناك فارق كبير بين الاثنين. وهذا يقود إلى السؤال التالي:

لماذا أغلقت عقود الخام الأمريكي تسليم شهر مايو عند سالب 37 دولارًا للبرميل في نهاية جلسة ذلك اليوم؟


هذا في الحقيقة له علاقة بطبيعة سوق العقود الآجلة للنفط وكيفية عمله من جهة، وطبيعة وهوية المتعاملين فيه من جهة أخرى؛ فالأسعار انهارت إلى ذلك المستوى قبل يوم واحد من ميعاد تسوية العقد، وهي العملية التي تقتضي قيام حامل العقد باستلام الكمية محل التعاقد من مركز تسليم العقود الآجلة في مدينة كوشنج بولاية أوكلاهوما.

ولكن بما أن الأغلبية الكاسحة من حاملي عقد يونيو كانوا من المتداولين الذين لا حاجة لهم في النفط كسلعة، تدافع أغلبهم إلى التخلص من العقد بأي ثمن حتى لا يضطر لاستلام النفط بنفسه، وهم في ذلك كانوا على استعداد لأن يدفعوا الأموال حرفيًا لمَن يرغب في شراء ذلك العقد منهم، كثير من هؤلاء المتداولين لم يخسروا رأس ماله فقط، بل ربما استدان لكي يتخلص من العقد بأي ثمن.



هذه الحادثة تقود للتساؤل حول جدوى الاستثمار في العقود الآجلة للنفط؟ وهل يعد شراؤها استثمارًا أصلًا؟ وهل صحيح أن الاستثمار في النفط مثله مثل الاستثمار في الأسهم والسندات؟ عن هذه الأسئلة وأكثر يدور هذا التقرير.


تداول النفط ليس استثمارًا

إن العقود الآجلة للنفط التي يتم شراؤها وبيعها في أسواق المشتقات المالية لم يتم تصميمها على النحو الذي هي عليه الآن من أجل الاستثمار وإنما لأغراض أخرى مثل التحوط، وبالتالي لا يجب أن تعامل كأداة استثمارية. ورغم ذلك، يمكنك أن تلاحظ بسهولة كيف أن المستثمرين والمحللين والوسطاء وحتى وسائل الإعلام المالية المتخصصة تضع النفط وغيره من السلع في نفس السلة التي توجد بها الأدوات الاستثمارية التقليدية.

الأغلبية الكاسحة من المستثمرين تتحدث عن عقود النفط كما لو كانت أسهمًا أو سندات، وهذا قطعًا خطأ كبير.

فعقد النفط هكذا يعد استثمارًا سيئًا وذلك لأنه ليس استثمارًا أصلًا وإنما مجرد رهان مرتبط بقنبلة موقوتة هي وقت التسوية وميعاد التسليم، ولذلك فإنه من ضعف الحكمة أن يعامل المستثمر هذه العقود كأداة استثمارية أو أن يحاول أن يطبق عليها قواعد الاستثمار المعروفة.




عند الاستثمار في الأسهم، فأنت تقوم باستبدال أموالك بشهادة تمثل نسبة معينة في ملكية الشركة، لكن على الناحية الأخرى، ما الذي تحصل عليه مقابل استثمارك في عقود النفط؟ لا شيء حرفيًا، إلا إذا كنت تنوي استلام البراميل المنصوص عليها فيما تمتلكه من عقود عند حلول موعد التسوية.

عندما تشتري عقدًا آجلًا للنفط، فأنت هنا لا تمتلك بموجب هذا العقد حصة في كيان تجاري قائم مثلًا، كما لا يوجد لهذا العقد مكرر ربحية أو توقعات نمو أو مبيعات أو تكاليف ثابتة ومتغيرة، وبالتالي فأنت لا تستثمر بل إن ما تقوم به في الواقع هو الرهان بشكل صريح على التقلبات السعرية للخام في المدى القصير.

في عالم الأسهم هناك مقاييس محددة تستخدم في تقييم سعر السهم، فعلى سبيل المثال، قد يحدد المستثمر مدى جاذبية السهم "أ" كخيار استثماري من خلال النظر إلى مكرر الربحية أو التوزيعات النقدية أو نسب النمو أو المبيعات، لكن في المقابل إذا حاول تقييم النفط فستبدو الصورة غاية في التعقيد، فهناك أرقام المخزونات وإحصاءات العرض والطلب، والتي يجب أن يخمن كيف ستبدو في المستقبل.

بالإضافة إلى تلك العوامل القابلة للحساب نسبيًا هناك عوامل أقل موثوقية مثل حالة الطقس والاضطرابات الجيوسياسية، ثم هناك تقاطعات لسوق النفط مع أسواق أخرى مثل العملات والأسهم المحلية والدولية، وتختلف أهمية كل عامل من هذه العوامل بحسب السياق الزمني، ففي أوقات معينة سيكون لعوامل معينة أهمية أكثر من غيرها في تقييم النفط.



في سوق النفط قد لا تترجم تخمة المعروض أو ضعف الطلب بالضرورة إلى أسعار منخفضة أو العكس، لأن العوامل التي تتحكم في أسعار النفط معقدة ومتداخلة إلى حد كبير وبعضها قد تراه غير منطقي وبالتالي يصعب قياسها.


افهم أولًا

لكن إذا كان التداول بعقود النفط مختلفًا عن الاستثمار التقليدي، فكيف يكسب الناس الأموال من تلك العقود؟ وإذا كان هناك مَن يكسب بالفعل منها، فما الخطأ في محاولة الدخول في هذه اللعبة؟

أولًا من المهم جدًا أن يفهم كل مَن يرغب في تداول العقود الآجلة للنفط أنه يضارب ولا يستثمر، وأنه يكسب المال من خلال المراهنة على التقلبات السعرية للخام في المدى القصير والتي قد تكون في صالحه أو ضده. ثانيًا، المضاربة ليست عيبًا، بل هي في النهاية خيار، ولكن مشكلتها هي أنها نشاط شديد الخطورة ولا يناسب ضعيفي الخبرة على الأخص.

أحد أسباب أزمة 20 أبريل 2020 التي انهار فيها سعر النفط إلى ما دون الصفر هو أن ضعيفي الخبرة من المتداولين استمروا في الاحتفاظ بعقود شهر مايو حتى نهاية الجلسة الأخيرة قبل ميعاد التسوية، وفشلوا في التخلص من تلك العقود وبيعها لمصافي النفط التي امتنعت عن الشراء في ظل الصدمة المزدوجة التي كان يعاني منها السوق، ليجدوا أنفسهم في النهاية مضطرين لاستلام الخام.



ولذلك قبل أن تقرر التداول في هذه العقود يجب أن تعلم أنك كمضارب ستلعب في نطاق زمني ضيق، وقبل حلول ميعاد التسوية يجب أن تكون قد تخلصت من العقد إلا لو لديك رغبة في استلام النفط، ولكن انتبه، العقد الواحد يلزمك باستلام ألف برميل من الخام، عليك أن تجد مكانًا لتخزّنها فيه.


كثيرون للأسف لا ينتبهون لتلك المحددات، وهو ما دفع عددًا من شركات السمسرة الأمريكية للقيام في الثالث والعشرين من أبريل الماضي بالحد من قدرة صغار العملاء على الدخول في صفقات جديدة في العقود الآجلة لخامي نايمكس وبرنت تسليم شهر يونيو، بغرض حمايتهم والتأكد من أنهم على دراية بالمخاطر التي يتحملونها.

على عكس الأسهم تعتبر العقود الآجلة للنفط أدوات لنقل المخاطر وليس القيمة، ولذلك فإن استخدامها والتعامل معها كأداة استثمارية طبيعية يعرض المستثمر لمشاكل أهمها محدوية الوقت، وإذا كنت على دراية بالقيود والمخاطر التي تحيط بهذه العقود وتفهمها جيدًا، فقد يكون الدخول بها استراتيجية مقبولة تمنحك فرصة الاستفادة من تقلبات أسعار الخام.



ولكن في النهاية يجب أن تدرك أن الدخول في هذه العقود ليس استثمارًا وإنما مضاربة، ومن الخطأ أن تنظر إليها بنفس الطريقة التي تنظر بها إلى الأسهم، لأن الأداتين مختلفتان تمامًا، ومرة أخرى، إن الاستثمار بالعقود الآجلة للنفط يعد استثمارًا سيئًا أو فاشلًا لأنه ليس استثمارًا أصلًا.