كورونا يهدد بإغراق النقل البحري العالمي بخسائر تشغيلية قيمتها 23 مليار دولار




مع تفشي جائحة كورونا على المستوى العالمي كانت صناعة الشحن والنقل البحري في مقدمة الصناعات التي تعرضت لخسائر ضخمة وحالة غير مسبوقة من الركود.
ويزداد شعور الصناعة بالتداعيات السلبية لتفشي الفيروس مع اتجاه الاقتصاد العالمي إلى ركود عميق، وقد تصل الخسائر التشغيلية في القطاع إلى 23 مليار دولار هذا العام، ما يعني محو ثمانية أعوام من الأرباح.
وألغي عديد من الصفقات التجارية، وتعطل معه كثير من عمليات إبحار السفن التجارية، إذ كانت الموانئ الصينية أول المتضررة، قبل أن تمتد المأساة إلى جميع أنحاء العالم وتتراجع التجارة الداخلية والدولية مع إبقاء العمال في منازلهم، وتقلص الطلب الاستهلاكي.
لم تقف مشكلات النقل البحري والتحديات التي تواجهه الآن عند تلك الحدود، ففي العالم نحو 50 ألف ناقلة شحن بحري، تمخر عباب البحار والمحيطات، بفضل جهود نحو 1.6 مليون بحار في العالم، كثير منهم بات حبيس الموانئ، وبات غير قادر على مغادرة سفينته، أو عالقا في فندق لم يعد قادرا على تحمل تكاليفه.
فكل شهر ينهي نحو مائة ألف بحار عقودهم ويعودون إلى أوطانهم مستقلين الطائرات، وبالطبع لم يعد لديهم القدرة حاليا على القيام بذلك.
وذكرت شركة ميرسك سيلاند أكبر شركة شحن في العالم أنها أوقفت تغيير طواقمها البحرية بهدف حمايتهم، بتقليل عدد التفاعلات الاجتماعية التي يحتاجون إليها.
لكن القبطان البحري روك روبن نائب رئيس اتحاد الشحن البحري الأوروبي، يعد فيروس كورونا قد يكون القشة التي ستقصم ظهر البعير في مجال الشحن البحري، الذي كان يواجه تحديات جمة قبل تفشي الفيروس، على حد قوله.
ويؤكد لـ"الاقتصادية"، أن تكلفة الشحن البحري ليست سوى جزء ضئيل من سعر التجزئة النهائي، لكن حتى قبل جائحة كورونا كانت الصناعة تتصارع مع قضايا رئيسة، أبرزها الحاجة إلى الانتقال إلى وقود أنظف، بسبب بدء المنظمة البحرية الدولية تطبيق سقف انبعاثات الكربون هذا العام، حيث إن عملية الانتقال تلك كانت ستمثل ضغوطا مالية ضخمة على الصناعة، وحاليا يزداد الوضع تعقيدا بسبب الخسائر المالية الناجمة عن الركود الاقتصادي.
ويشير القبطان روك روبن إلى أن تداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وفشل واشنطن وبكين في تطبيق المرحلة الأولى من اتفاقهما التجاري قد زاد الطين بلة، خاصة أن الصناعة كانت تواجه أوقاتا عسيرة للغاية لتحقيق ربح في العقد الماضي.
في مواجهة الاضطرابات المتتالية للعرض والطلب في جميع انحاء العالم، قامت شركات الشحن بتقليص عملياتها، ويمكن أن يشهد النصف الأول من عام 2020 انخفاضا بنسبة 25 في المائة في عمليات الشحن، مع انخفاض بنسبة 10 في المائة للعام ككل، ذلك وفقا للبيانات الصادرة عن مؤسسة سي إنتليجينس.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" كاميرون نايت الباحث في شؤون التجارة البحرية، "البيانات الدولية التي أعلنت أخيرا، توجد بارقة أمل حول الوضع، فقد تحسن الطلب على أميال الشحن في الآونة الأخيرة في أواخر شهر مارس، نتيجة انتعاش الطلب في اليابان وكوريا الجنوبية، واستأنفت الموانئ الصينية عمليات الإبحار هذا الشهر، لكن المشكلة أن عديدا من الموانئ الأخرى التي تخدم الأسواق الاستهلاكية الرئيسة على المستوى العالمي لا يزال يعمل بأقل كثير من طاقته الكاملة، ومتوسط الربح اليومي يقدر حاليا منذ أول أبريل بأقل قليلا من ستة آلاف دولار، وهذا أفضل من أول مارس عندما لم يتجاوز ألفي دولار".
ويضيف "حتى الآن لم تضطر الصناعة إلى خفض أسعارها، لكن إذا استمرت الحال هكذا فلن يكون أمامها من بديل آخر غير خفض أسعارها، وإذا أجبرت الشركات على ذلك وانخفضت أسعار الشحن بنحو 20 في المائة، وسبق أن حدث هذا نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، ترافق ذلك مع تراجع أحجام الشحن الدولية بما يعادل 10 في المائة فقط، فإن الخسائر التشغيلية ستراوح بين 20 و23 مليار دولار، وهذا يعني أن أرباح شركات الشحن في الأعوام الثمانية الماضية قد محيت تماما".
لا يمتلك أحد إجابة قاطعة أو محددة عن الوقت اللازم حتى تعود سلاسل التوريد العالمية إلى وضعها الطبيعي بعد انتهاء عمليات الإغلاق الراهنة. ومن ثم لا أحد يعلم أيضا الفترة الزمنية المطلوبة لكي تسترد الصناعة بعضا من عافيتها المطلوبة.
مع هذا يرى الدكتور ريتشارد دي بوريس أستاذ التجارة الدولية في جامعة ويلز أن المشهد لا يبدو شديد الكآبة في مجمله، مشيرا إلى أن قطاع ناقلات النفط ينتعش ويتحسن.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن مع انخفاض أسعار النفط أخذ الطلب على ناقلات النفط في الارتفاع، لكن المشكلة في أن تأثير جائحة كورونا السلبي في النشاط الاقتصادي سيؤدي إلى انخفاض الطلب على الطاقة هذا العام بشكل ملموس، ما يعني أن كثيرا من ناقلات النفط قد يتحول عمليا إلى تخزين النفط لفترة طويلة".
لكنه مع ذلك يبدو قلقا من الأمد الطويل، إذ إن "90 في المائة من التجارة العالمية من حيث الحجم يتم تداولها عن طريق الشحن البحري، وانخفاض الطلب الراهن في أوروبا وامريكا الشمالية قد يمتد تأثيره لمدة عقد من المصاعب للشحن البحري، وربما ستزداد المشكلات إذا حدث تغير في الهيكل الاقتصادي الدولي ولجأت الدول الأكثر تقدما إلى تعزيز التوجهات الحمائية أو العمل على توطين مزيد من الصناعات على أراضيها، هذا سيعني عمليا تراجع إجمالي التجارة الدولية وسيضعف صناعة الشحن والنقل البحري".
ويثير الوضع الراهن لصناعة الشحن والنقل البحري تساؤلات حول الآفاق الاستثمارية للصناعة، وعلى الرغم من أن كثيرا من الخبراء يعتقدون أن الوقت لا يزال مبكرا للوصول إلى نتيجة قاطعة في هذا الشأن، فإن كونار لي الباحث في شركة التأمين البحري لويدز يلخص الوضع لـ"الاقتصادية" بالقول "فيروس كورونا أصاب الجميع بالضرر، ولا شك أن المعدل الاستثماري في المرحلة المقبلة سيعتمد على مدى الانتعاش في التجارة الدولية، لكن في الأغلب ستكون الأزمة الراهنة محفزا لأن ينصب الاستثمار في قطاع النقل والشحن البحري على مزيد من التقدم الرقمي والتكنولوجي في الصناعة أكثر منه في زيادة عدد الناقلات".
ويؤكد أن الخطوة الأولى ستكون زيادة الاستثمار في تقنيات الشحن، والثانية في الشركات التي تقدم تحليلا للبيانات وبرامج الذكاء الاصطناعي وإدارة سلاسل التوريد الشاملة من البداية إلى النهاية، حيث إن هذا النوع من الاستثمار سيضمن تقليل أي صدمة مماثلة مستقبلا وسيزيد من مرونة القطاع.